السيدة أميني نود أن تحدثينا عن نفسك في بداية الحوار.

 

أنا مريم أميني. وُلدت سنة 1957. حصلت على ليسانس في الرياضيات وعلم الحاسوب.

 

هل أنت من طهران؟

 

أجل!

 

من أين بطهران؟

 

أمير آباد. عشت في ذلك الحي أكثر.

 

حدثينا حول معرفتك بالسيد مرتضى.

 

قبل الزواج، عرفنا بعضنا لعدة سنوات. لقد كنت أعرفه. منذ سن الخامسة عشر حتى التاسعة عشر، وتُوجت هذه المعرفة بالزواج بعد عشرين عاما.

 

وكيف كانت العائلتين؟ هل كانتا موافقتين على هذا الزواج؟

 

لقد كانت عائلتي مخالفة، لكن بالنسبة لي كان واضحا أن هذه الحياة المشتركة يجب أن تبدأ.

 

لم أكن قادرة على أن أتخيل شكلا آخر للحياة.

 

لماذا؟

 

لأن مرتضى كان منذ البداية مبتغاي ومرادي. تبادل الكتب الجيدة، المشاركة في الخطابات والأمسيات الموسيقية في كلية الفنون الجميلة حيث كان يدرس، في الحقيقة لقد كان الدليل المكتمل بالنسبة لي.

 

هذه الحالة، أي كونه مرادك، إلى متى استمرت في حياتك؟

 

لقد بقيت دائما. لقد كانت هذه علاقتنا الأساسية في الحياة. بالطبع أحيانا كان شكل هذه الحالة يتغير بسبب التبدلات الفكرية. فقد تغيرت ميوله بشكل كامل بعد الثورة. ونتيجة ذلك، فقد أثرت تلك التبدلات فيَ أنا. لكن علاقتنا استمرت هكذا حتى استشهاده. حتى أنني بعد ذلك وجدت فرصة كي أعود وأنظر إلى صلة جديدة معه وأرى ماذا يمكنني أن أصمم بعد ذلك اليوم.

 

هل نظرت؟

 

أجل! لقد وجدت صلة جديدة بيننا بعد شهادته. لقد كتب مرتضى في إحدى مقالاته التي كتبها بعد وفاة الإمام، هناك جملة يقول فيما معناه: "لقد غاب عن هذه الدنيا والآن وقع العبء على عاتقنا " أنا أشعر بهكذا ثقل تماماً. قبل هذا كان يأخذ بيدي ويحملني إلى الجنة. ليس بالإجبار، فقد كان هناك رغبة داخلية. لم أكن أشعر بثقل العبء كثيرا.كان يحدث كل شيء بكل سهولة لكن بعد شهادة مرتضى كان علي أن أبدأ من جديد. كالولادة مجددا. أشكر الله كثيرا. وما أكبر من هكذا نعمة هيأها لإنسان أن يكون له فرصة للحياة مع إنسان هو قبلة كل رغباته ويرى فيه كل ما يريده من الحياة، ويجد في عمق هذا الإنسان وهذه الحياة فرصة للتأمل والتفكير.

 

يقول مرتضى: "إن الشهداء لا يموتون، بل يحيون"  ليست هناك فرصة للجميع كي يعيشوا ويشعروا بهذه الحياة. والآن لا أعرف كم أنا في هذه الطريق وكيف أطويها بهذا العبء الثقيل. أي أنني فزت بمرتضى مرة أخرى وأشكر الله كثيرا على ذلك.

 

حبذا لو تحدثينا عن تجربتك الطويلة معه إلى حد ما.

 

لقد بدأت هذه الحياة الجميلة منذ سن الصبا. فقد كانت مكانته عندي تعلو يوما بعد يوم أكثر من أي شخص آخر.  لقد كان مرتضى شكلا لكل الأشخاص الذين كنت أبحث عنهم في حياتي. كان يملأ  لي مكان كافة أفراد الأسرة فكان كل حياتي.

 

كم كان فرق العمر بينك والسيد  مرتضى؟

 

عشر سنوات.

 

السيدة أمينة يمكننا القول أن حياتكما المشتركة كانت على ثلاث مراحل. قبل الثورة، بعد الثورة وبعد الشهادة.

 

اسمحي لنا أن نبدأ من زواجكما. متى أتى السيد مرتضى يطلب يدك للزواج؟

 

ليس هناك شيء خاص يمكني ذكره. كان عاديا للغاية. كانت خطبتنا عام 1977 وتزوجنا في  تموز عام 1980. فقط يمكنني أن أقول أن زواجنا مقارنة بظروف ذلك اليوم كان بسيطا جدا.

 

هل قمتما بالتسوق؟

 

اشترينا كنزة وتنورة بيضاء لي. وبدلة رسمية بيضاء لمرتضى.

 

هل كان هناك مهر وشروط أخرى؟

 

أجل! لكني يومها خرجت من الغرفة، لأنني لم أكن أرغب بسماع ذلك. لقد كان كل شيء ضمن الأعراف والتقاليد.

 

هل وصلت في الحقيقة إلى أمنيتك؟

 

أجل!

 

وكذلك السيد مرتضى؟

 

أجل!

 

يبدو أنه تحمل وصبر الكثير حتى بلغ مبتغاه.

 

أجل! كانت تشتد هذه العلاقة يوما بعد يوم ولم تنقص شدتها بعد الزواج. كان مرتضى متعلقا بي وبالأبناء  بشدة. كان يظهر تعلقه هذا خلال السنتين الأخيرتين ويعبر عنه. كل ذلك كان نتيجة لأفكاره. كان يغير طريقته. كلما كنا نقترب من شهادته، دون مبالغة، كنت أشعر أننا كنا نعود إلى سنين حياتنا الأولى. على كل حال فقد كان في إظهار رغبات مرتضى نوع من الشكر. لم يكن تعبيره عنها منفصلا عن شكره لله. فكلما كان يشتد حبه لله اشتد حبه لأسرته أكثر فأكثر. في لحظات حياته الأخيرة، لم أكن برفقته لكن كان يقول أبناء الفتح أنه في لحظاته الأخيرة كان يعبر عن رغباته.

 

حدثينا من فضلك عن أوضاع السيد مرتضى أيام الثورة.

 

سأتحدث عن خاصية واحدة تربط مرحلتين من حياة السيد مرتضى أي حياته قبل الثورة وبعدها حتى الشهادة. عندما كنت اعرف مرتضى، كان يبحث عن الحقيقة. كانت التغيرات السياسية – الإجتماعية وحتى الفنية والأدبية الكبيرة والصغيرة قبل الثورة، تجعل بحوثة دون إجابة، لكن رغبته كانت كبيرة للعثور على الحق والحقيقة في بحوثه تلك. لقد كان يجهد في هذا الأمر حتى أنه كان يهمل نفسه. في بحوثه تلك عانى الكثير. وجرب الكثير. هذه التجارب هي التي جعلت الإمام يعرفه عندما تعرف عليه. لقد وجد في ذات الإمام المبارك الشيء الذي كان يبحث عنه لسنوات. لم تكن في قلبه ذرة من الحقد عما عاناه كي يشكوه للإمام. وعندما عرفه، كان قد بلغ هدفه.و بمعنى واحد فقد وصل إلى الحقيقة. لذلك فقد أفنى نفسه في سبيل هذه الحقيقة.

 

كيف كان يعبر السيد مرتضى عن هذه الحقيقة؟

 

لقد كانت كل حياته رهن الثورة. كان يقول بنفسه ذهبنا لنشارك في الحرب فوضعوا في يدنا آلة تصوير. لم يختلف الأمر. لقد كان بكل وجوده رهنا للثورة وكان يقوم بكل ما كان يوكل إليه. لم نكن نراه أيام الحرب في البيت إلا نادرا. مرة كل عدة ليالي. كانت الحرب تسيطر على أفكاره.

 

لو تسمحين لنا سيدة أميني أن نعود إلى الأيام الأولى من حياتك المشتركة مع السيد مرتضى! ماذا فعلت كي تبدأ هذه الحياة؟

 

في شارع آمل بشارع شريعتي استأجرنا بيتا صغيرا. أقمنا فيه ما يقارب السنة الواحدة. وُلد أول أبنائنا في ذلك البيت. وبعد عدة أشهر ولأننا لم نكن نستطيع دفع الأجرة، انتقلنا إلى بيت والد مرتضى  في شارع مطهري. كان ذلك سنة 1979. وبقينا في ذلك البيت لثلاث سنوات. ثم اشترينا بيتا بمساحة خمسة وسبعين مترا في قلهك وتراكمت علينا الديون والقروض. والآن صار عندنا ثلاثة أبناء. كان مكاننا صغيرا وضيقا. كان مرتضى يريد أن يبقى قريبا من أبيه وأمه ليساعدهما. لذلك قمنا ببيع البيت وعدنا مرة أخرى إلى بيت والده واشترينا الطابق الأول وسكناه حيث بقينا هناك حتى استشهاد السيد مرتضى.

 

أود ان تحدثينا عن مشاعر السيد مرتضى، يوم أنجبت الابن الأول لكما.

 

كانت ردة فعله دينية. لم أره لكن والدته أخبرتني أن مرتضى كان في الغرفة يسجد لله شاكرا وكتب اسم الطفل وتاريخ ميلاده في آخر القرآن.

 

من أين بدأت معرفة السيد مرتضى بالسينما؟

 

كان قبل الثورة يتابع أفلام المهرجانات باستمرار وكان محبا للسينما. عندما ذهب إلى الجهاد أعد الكثير من الأفلام الوثائقية، منها مسلسل من إحدى عشرة حلقة باسم "الحقيقة" ووثائقي آخر باسم ستة أيام في صحراء تركمن، وكلاهما كانا من الأفلام الوثائقية الجيدة في تلك الأيام.

 

هل كان يتحدث بشيء حول عمله في البيت؟

 

لا! لكنه كان يبدي رأيه في بعض الأفلام وينتقدها بشكل دقيق.

 

في المحافل العائلية ماذا كان حديثه أكثر الأوقات؟

 

على الأغلب، كنا نحن من نحدثه. عما يحدث خلال اليوم، حتى عن زيارات الأقارب وهو كان يصغي إلى حديثنا هذا. لكلامي وكلام أبنائنا. أذكر ذلك عندما أُقيم مؤتمر سينما ما بعد الانقلاب وكان هو أحد المحاضرين فيه، لقد حدث سوء تصرف معه في ذلك الحفل. أنتم تعرفون أنه لدينا مدعين كثيرون وفي المقابل لدينا القليل من المتعلمين في هذا المجال.يومها عندما عاد إلى البيت لم ينبت ببنت شفة. وبعد ذلك قرأت بنفسي كتاباته في مجلة "سورة سينما" قصة تلك الليلة ومؤخرا أخذت شريطه من "قصة الفتح" ورأيت فلمه. يا له من محيط عجيب صمد مقابله وعبر عما في داخله في جو مخالف له تماما! وكان ينصت بكل هدوء إلى جميع اعتراضاتهم التي لا أساس لها والتي كانوا يطرحونها بشكل غير محترم. عندما رأيت الفلم عرفت حينها صعوبة تحمل ذلك الجو، والسيد مرتضى عندما أتى إلى البيت لم يظهر عليه أبدا أنه قضى ساعات عدة في هكذا مكان. أنتم تعرفون أن معاناة السيد مرتضى كانت تكمن في الجهل الذي كان يسيطر على السينما في البلاد من جهة، والمدعون الكُثر من جهة أخرى.

 

لهذا السبب ربما تكون السينما اليوم لدينا لا تزال عاجزة أمام أن تتناسب مع مجتمعنا وتعبر عنه.

 

هكذا. كان يسعى مرتضى لأن يقرب السينما من القيم والثقافة الأصيلة لهذه الأرض. لم يكن هذا عملا سهلا. إن لم يحدث هذا التحول الفكري في السينما اليوم فإنه لن يكون أمرا سهلا في المستقبل، وربما سيكون أكثر صعوبة أيضا.

 

من الأمور التي اشتهر بها السيد مرتضي هي أدبه ...

 

وهذا أيضا بمضي الأيام اتخذ صُورا مختلفة. بالتزامن مع الثورة وأحداثها اليومية، طرأ تغير وتبدل على أسلوب حياته في كافة نواحيها. لم يكن ذلك على طريقة تعامله مع عائلته ومن حوله، لكن أسلوبه تغير.ربما لفترة معينة لم يكن ليشارك في مثل هذا المؤتمر الذي حدثتك عنه. أو أنه كان من المتوقع أن يكون له مشادة مع أولئك الناس. لو حدث ذلك قبل وقوعه بعدة سنوات، لكان أسلوبه غير هذا. لا يمكن القول أن أدبه كان أقل قبل ذلك. وكأن شكل أدبه هو الذي تغير.

 

لقد أشرت إلى الصورة الدينية للسيد مرتضى. متى شعرت أن هذه الصورة استقرت في وجدانه واستحكمت؟

 

برأيي لقد كانت الميول الدينية ترافقه منذ البداية وذلك ما كان يحثه على البحث والدراسة للعثور على الحق والحقيقة. وعندما رأى تلك المساحة المضيئة والمشعة، لم أر فيه بعدها ترددا. فقد أدرك تماما أنه ما إن يرى الحق يعرفه. لأنه لم يكن منذ البداية. وعندما عرف، انتهى الأمر. وكأنه عثر على الحقيقة المبتغاة.

 

سأحدثك عن أمر يساعد في فهم هذا الموضوع.كان قد مر على الثورة عدة أعوام عندما أقلع مرتضى عن التدخين. كان دليله على هذا الأمر أن إمام الزمان يراقب كافة أعمالنا وتصرفاتنا. في هذه الحالة كيف لي أن أدخن في حضرته؟ وهكذا أقلع عن التدخين كليا. إن كان هذا الأمر يتعلق بشخص آخر فربما يتناول سيجارة يوما ما. لكن بالنسبة لمرتضى فيبدو هذا الأمر مستحيلا. لأن إرادته نابعة من إرادة الحق. كان يجب أن ندرك يومها أنه سيكون يوما شهيدا.

 

لقد كان السيد مرتضى رجلا مثقفا. من أين بدأت مطالعاته؟ ماذا كان يقرأ أكثر الأحيان؟

 

لقد قرأ قبل انتصار الثورة جميع الأعمال الفلسفية والفنية تقريبا. أذكر بعض الأسماء التي كان يتحدث عنها كثيرا أمثال داستايوفسكي ونيتشي. كتب في مقالة له حول كامكو وداستايوفسكي أنهما أحيا الفلسفة، لم يطالعاها فقط أو تحدثا عنهاً. أعتقد أن مرتضى كان أيضاً كذلك؟ يمكن أن نقول عن الكثير أنهم مثقفين لكن مرتضى عاش جو تلك الأيام وأعمالها الفلسفية ورواياتها، ولأنه أحس ذلك الجو بكل وجوده وضميره، وعندما عثر على جواب أسئلته لم يتوقف عندها.

 

حدثينا أكثر عن السيد مرتضى في المنزل.  

 

بدأنا نراه أكثر تدريجياً كلما اقترب يوم استشهاده في الأيام التي تلت الحرب. مع أن المسؤوليات التي كانت على عاتقه كانت أكبر من طاقة أي إنسان لكنه كان في البيت بشكل لم نشعر فيه بأي نقص. مع أنني كنت قد بدأت عملي في المخابرات وهو كان منهمكاً في أعماله وكان علينا تربية ثلاثة أطفال، عندما كنت أقول له، ليس لدي الوقت لآخذ أحد الأطفال مثلاً إلى الطبيب، كان يأخذه. لم تتعبني يوماً أعمال الشراء خارج البيت، أو الانتظار في الطوابير. الملفت للنظر أن أكثر مطالعاته في تلك المرحلة كان يقوم بها في تلك الطوابير. كل أعمال التسوق كانت على عاتقه ولم يشكُ من ذلك يوماً. كان حسن الخلق في البيت. كان أكثر مما كنت عليه أنا.

 

السيدة أميني! إلى أن استشهد السيد مرتضى، كان الكثيرون يعرفونه من أول نبرة صوت في "قصة الفتح" أو من مقالاته في مجلة "سورة" الشهرية..

 

أعتقد أن ذلك كان مقدراً أن يكون كذلك. لأن مرتضى لم يكن يرغب بالشهرة. الشيء الذي كان يريده وبكل إخلاص هو العمل. هذا ما جعل تأثيره أعمق وأكثر بقاء. كان الناس يشعرون أن هذا الصوت جزء من حياتهم ولأنهم لم يكونوا يعرفون صاحب هذا الصوت، فقد كانوا يشعرون بقُرب مرتضى منهم ومن حياتهم.

 

متى كان السيد مرتضى يشعر بالحزن والسعادة؟

 

عندما كان مع مليشيات البسيج، كان يحشد لهم. عندما كان يُضطر أن يخضع للأحداث اليومية والعوائق التي تتلف الوقت كان عندها يشعر بالحزن والكآبة.

 

كانت كلمة  الأعباء اليومية من الكلمات الشائعة في حديثه وكتاباته.

 

هذا صحيح. كان يستخدم هذه الكلمة كثيراً وكم كان يسعى ألَا يقع في فخها. عندما كان يحدث معي أمر ما يزعجني ويحزنني كنت أشكو له فكان يقول لي: انظري هناك آلاف المجرات في السماء. إحداها درب التبانة. هناك الكثير من الكواكب فيها أحدها الأرض. والكرة الأرضية فيها قارات مختلفة. إحداها هذه المنطقة التي نعيش عليها. كان يسرد من الكل إلى الجزء. ومن ثم يقول نحن هذه الذرة المتواجدة في هذه المجموعة. والآن انظري أين كلامك الذي تقولين من هذه المجموعة المذهلة؟ يرى الإنسان كم هو هذا الحدث تافه وبلا أهمية مقابل كل ذلك الكون، فإن لم ينظر إليه برؤية جيدة سيقع في المشاكل. هكذا كان فهمه لتوضيح الأعباء اليومية.

 

لقد كان نثر السيد مرتضى مختصاً به. حبذا لو تحدثينا عن ذلك.

 

أنا كقارئة أشعر أن نثره كان مختلفاً للغاية. عندما كنت أقرأ القضايا الفلسفية الصعبة من خلال نثره كنت أدرك ما يقصده تماماً. ولو أنني قرأتها ذاتها لفيلسوف آخر لما كنت سأدركها.

 

أشعر أنه عليَ أن أقرأ أشياء عدة أخرى كي أدركها. لقد كان نثره شيئاً آخر، له حلاوة ونكهة أخرى. كان يؤكد على الاستخدام الدقيق للكلمات. في الكثير من مقالاته، كان يبدأ بعبارة متداولة ويوصل رأيه من خلال المعنى الأصيل للكلمة. كانت لديه ذخيرة مليئة بالكلمات ويستخدمها بكل سهولة. لقد كان هذا ينطبق على كافة أنواع الفنون لديه. وكأنه كان متصلا بمصدر ما مكانه أكبر من كل الفنون، إنه مكان الحكمة. كان يكتب ويتكلم منطلقاً من ذلك المصدر حول كافة أوجه الفن المختلفة.

 

قبل أن ينبعث صوت السيد مرتضى مع صور الحرب، هل كنت تشعرين أن فيه قوة وجاذبية ما؟

 

إنه في كل إنسان خصلة حميدة "مثل فارسي"، والسيد مرتضى اجتمعت فيه كل الخصال الحميدة. برأيي حتى خط يده كان عجيباً. لنكن منصفين فهو حتى من حيث الجمال الظاهري والباطني كان متميزاً.

 

بغض النظر عن مطالعات السيد مرتضى الغنية وأفكاره الفنية، فقد كان ذا إحساس قوي.

 

كان مرتضى بركة لنا. هذه الحالة التي تتحدثون عنها كانت تظهر في كافة مراحل حياته. سمعت من عائلته الموقرة أنه أصيب في حادث سيارة بعد انتصار الثورة وبقاؤه حياً كان شيئاً أشبه بالمعجزة. يقولون أنه حين كان فاقدا الوعي كان يتأوه قائلاً: لقد حفظني إمام الزمان ... لقد كان هذا الكلام غريباً تلك الأيام. أعتقد أن هذه العلاقة كانت دوما عميقة ومخفية في وجوده ومن ثم اتخذت شكلاً معينا إلى أن اكتملت. أشعر أحياناً أن مرتضى يعيش في عصر أبعد من عصره. كان لديه نوع من حالات التنبؤ بالنسبة إلى العصر الذي كان يعيش فيه، وهذه صفة من صفاته الهامة.

 

هل حاول أن ينقل هذه الصفة إليك أو أبنائه؟

 

لا أعتقد أن هذا الحس يمكن نقله، إنه نتاج مسيرة وسلوك شخصي. لأنه وصل بنفسه من الكل إلى الجزء فدائما كان يرى الكل والمجموع معاً. كان يتصرف معنا وفق تلك العلاقة. بالطبع سلوكه كان ينقسم إلى مراحل عدة. كان سلوكه مختلفا نوعا ما منذ سنة واحد وثمانين إلى ثلاثة وثمانين. كان يحاول أكثر من أي وقت مضى أن يهيئ البيت للأعمال الدينية واتباع قوانين معينة.لكن هذا الأسلوب تغير بمضي الأيام.خاصة في السنوات الأخيرة من حياته. هكذا وكما حدث معه كان يسعى أن يوضح لنا الكل كي نستطيع أن نختار أفضل الأعمال كي نقترب ونصل إلى ذلك الكل ونختاره.

 

أود أن أعرف شيئاً عنك وعن السيد مرتضى في الأيام القريبة من استشهاده.

 

أنا كذلك لم أكن أعرف. لم أتخيل أبداً أنه بينما كان يذهب إلى "فكة" للتصوير، سوف يستشهد. لم أكن أرى فيه علائم الاستشهاد. في الأيام الأخيرة، عندما ذهب إلى "فكة" ولم يكتمل عمله وعاد، قال، يجب أن أعود إلى "فكة" بعد يومين أو ثلاثة. في تلك الأيام رأيته حزيناً للغاية. كنت أسأله باستمرار: لماذا أنت مكتئب وحزين لهذه الدرجة؟ لكن لم يخطر ببالي أية فكرة حول عما يمكن أن يكون قد حدث يجعله يعود مرة أخرى. لكني الآن وأنا أنظر إلى تلك الأيام أرى نفسي متأكدة أنه كان يعرف. كان آخر حديث لنا في تلك الأيام حول قرار للأيام التالية. قلت له أن هذا العمل يمكن إنجازه بعد مجيئك بإذن الله. لكنه أدار رأسه فجاة ولم يدر حديث بيننا بعدها.

 

والآن وأنا أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام، أرى دون أدنى شك أنه كان على يقين من شهادته. في تلك الأيام الأخيرة عندما اقترحت عليه اقتراحاً قال: " هذا ليس مناسبا الآن. لقد أتعبوني بمشاكلهم لدرجة أنه لو كان هذا الحمل على جبل لما تحمل. لقد اتكأت على مكان آخر حتى وقفت الآن".

 

قبل استشهاده بعدة شهور، كان حزينا جداً وعبر عن ذلك بكلام بشكل عجيب. لم أره هكذا من قبل أبداً.

 

عندما أتوك بخبر استشهاد السيد مرتضى ....

 

كان يوم الجمعة 9 نيسان ، عبر مرتضى في "فكة" فوق لغم ما. كان يومها السبت صباحاً عندما أتى أبي وأمي. في الصباح الباكر. قالا لي: " لقد جُرح مرتضى " كان الصبح أوله عند انقشاع الظلمة. أول أيام الربيع ذات الهدوء الخاص. كنت ما بين المستيقظة والنائمة. مثل الطبيعة ذلك الحين تماماً. أيقظت أبنائي بكل هدوء وأرسلتهم إلى مدارسهم. وكأن أحدا لم يخبرني أن مرتضى بات جريحاً.

 

وعندما ذهب الأطفال، بدأ كل من أبي وأمي كلامهما بكل هدوء وأصبحت على يقين أنني بعد اللحظة بت دون مرتضى. لكنني لا أعلم كيف كانت حالتي. نظرت إلى تلك الحادثة في تلك اللحظة من الطبيعة بشكل مذهبي. كان ذلك الأمر بالنسبة لي غريب فكيف تبقى الصور دوما وكأنه لا يمر الزمان بها. في تلك اللحظات انكسر هذا التوهم الساحر لدي. شعرت حينها فجأة كم هي خيالية وكم هو مرتضى "واقعي". وكأن المكان الذي كنت فيه انقلب رأسا على عقب. وكأنني كنت في عالم آخر. الأشياء التي كنت أراها حولي وبأم عيني، مُحيت وزالت وكأنه لا وجود لها. لم يكن هناك شيء، لكن مرتضى كان موجوداً.

 

ذلك اليوم، لحقا بأبنائي إلى مدرسة كل واحد منهم. لأن الأعلام واليافطات زرعت أمام المنزل بسرعة. وعلا صوت القرآن الكريم. لم أكن أريد للأطفال أن يصلوا المنزل قبل أن يعلموا بالخبر. تكلمت معهم في الطريق. فقد كان وجود مرتضى عيني وحقيقي لدرجة أنني كنت أعتقد أن كل شيء آخر ليس إلا وهماً وكنت أسيرةً لذلك الوهم. قلت لأبنائي: " أبوكم موجود لكننا لا نراه."

 

عبؤه موجود لكن حلاوته أكثر. كان ثقيلا للغاية، لكن وكأن عيني فُتحت مباشرة على شيء آخر في غاية الجمال. كان لامعاً. تماماً مثل لحظة النوم واليقظة أو مثل لحظات الطبيعة تلك.

 

لقد ساعدني مرتضى نفسه على أن يكون تصرفي بأفضل وجه في هكذا حادثة. إنني أرى وجود مرتضى أكثر واقعيةً من وجودي أنا. أشعر بكيانه. والأحلام التي رأيتها عنه كانت حقيقية للغاية.

 

والأطفال ماذا يقولون؟ هل يرون مرتضى في أحلامهم؟

 

أحياناً يقولون شيئاً ما. خاصة ولدي. إنه مثل أبيه إنسان كتوم. ربما يمكن تسميته بالرجل الصغير. بالطبع أنا لا أتابع ذلك الأمر معهم لكني اعلم انه لهم معه علاقة ما.

 

هل في متناول يديك أعمال للسيد مرتضى لم تُنشر؟ 

 

أجل! هناك عدد من القصص القصيرة تشير إلى كيف أن الإنسان يبتلي ويأسر نفسه بنفسه. هناك كتابات أخرى بين الشعر والنثر. كان الموضوع الذي يشغل تفكير مرتضى في تلك الكتابات هو أسر وضياع الإنسان. لقد عبر عن هذا الموضوع بشكل فائق الجمال، شاعري وعميق.

 

متى كان السيد مرتضى يكتب ؟

 

في تلك الشقة الخمسة والسبعين متراً في قلهك، كان هناك غرفتين لخمسة أشخاص. لا أدري كيف كان يكتب. كان الأمر غريباً. لم يفكر يوماً أنه يجب أن يكون له غرفة أخرى. لقد عود نفسه كي يستطيع أن يجلس وسط الزحام والضجيج خلف طاولة الطعام ويكتب. حتى انه لم يملك طاولة خاصة للعمل. في الليل عندما كان يعود من العمل، كان ينام ساعتين ومن ثم ينهض إلى الصلاة والتضرع والكتابة. كل ذلك حتى الصباح. وفي الصباح كان ينام ساعة ومن ثم يذهب إلى العمل.

 

من الكلمات الأخرى الخاصة بالسيد مرتضى هي "الأبدية" ...

 

في أعماله، كلما كان هناك كلام عن الشهداء، كان يذكر الأبدبة. كان يعتبر الشهداء مبدأ هذه الحياة ووفقاً للآيات والروايات كان يحكي عن حياة الشهداء الأبدية.

 

بعد استشهاد السيد مرتضى  برزت إرادة مخفية غير مرئية من أولئك الذين كانوا يحبونه والذين لم يكونوا يحبونه أيضاً ...

 

أعرف أنه كان يعيش بكل خلاص، ولذلك كان يظهر واضحا عارياً من أي شيء يخفيه. هؤلاء الناس وضمن أية مجموعة هم، لو عادوا إلى فطرتهم، لباتوا خدمة الحق. ومرتضى كان من هؤلاء. هؤلاء الناس لا يمكنهم أن يلتفوا على هكذا حس إرادي يملكون. يكفي أن يعودوا إلى فطرتهم الطاهرة كي يصبحوا مطيعي مرتضى. ما يميز "قصة الفتح" عما غيرها من قبل ومن بعد، إنما الإخلاص. لقد كان هذا البرنامج هو المجموعة الوحيدة التي يجلس لأجلها كافة فئات الناس ويشاهدونها. كانت تجذب الجميع. لأن روايتها تطابق الفطرة البشرية. ومرتضى كانت لديه القدرة كي يقول كيف يمكن استخدام هذه الطريقة في السينما وإنقاذ السينما من الأزمة التي هي عليها.

 

لو تحدثينا عن رحلات السيد مرتضى.

 

غير سفره إلى الحج مرتين، سافر إلى باكستان وباكو.

 

هل سافر خارج إيران قبل الثورة؟

 

أجل! بعد زواجنا ذهبنا إلى أمريكا لزيارة أخوته الذين كانوا هناك.

 

شكراً جزيلاً !