ما بقي تحمّل:

 

ما بقي عند هذا الشعب تحمّل أن يتعطّل الإصلاح أو أن يستمر الفساد والإفساد والتردّي والتدهور، وتعطل الأوّل واستمرار الثاني مشنقة للوطن في نهاية كارثية يجب على الجميع ألاّ يتوقّعه فيها، والمسؤولية مسؤولية من ينادي بتعطيل الإصلاح لا من ينادي بتفعيله وتعجيله.

 

وما بقي عند هذا الشعب تحمّل أن يساوي صوت مواطن واحد أصوات عشرين وثلاثين مواطناً، وأن يكون صوت كل واحد من العشرين والثلاثين بنسبة واحد على عشرين أو ثلاثين من الصوت الواحد، وتطبيق هذا المبدأ يحتاج إلى شعب من نوعية أخرى لا يمكن لهذا الشعب أن يكون واحداً من مصاديقها، وقد شحّ مصداق هذه النوعية من الشعوب في الأرض[1].

 

وما بقي عند هذا الشعب تحمّل أن يعاقب الألوف من أبناء الوطن بالتعطّل والحرمان من الكسب الحلال وتحصيل اللقمة بشرف، وأن يجوع عشرات الألوف من نساء وأطفال وعجزة لمشاركة في مسيرة أو اعتصام، وذلك ليحتلّ بعد فراغ مواقعهم في الوظائف والمراكز مستوردون من الخارج بأعلى الأجور من ثروة هذا الوطن المظلوم.

 

وما بقي عند هذا الشعب تحمّل أن تفرّغ كراسي الدراسة الجامعية من أبنائه وبناته ليخسروا مواهبهم الذهنية العالية، وتتشكّل منهم طبقة متدنّية الثقافة ضحلة المعرفة، ولا أن تكون حياة الشرفاء من رجاله ونسائه وشبابه وناشئته في السجون والمعتقلات وعذاباتها وإهاناتها، ولا أن تصادر حرّية دينه، ويزاحم في مواقع عبادته، وينازع على أوقافه، ويعاقب على أداء شعائره، ويهزأ به ويندّد، وتطاله ألسن السوء بالكلمة السخيفة، ولا أن يقصى من رسم مسار وطنه وتقرير مصيره كإقصاء العبيد، أو يعامل معاملة القاصر الذي لا رأي له في أمر نفسه ويختار غيره له، ولا أن تنتهب ثرواته في البر والبحر على مرأى ومسمع منه ويصمت على ذلك ويمتصّ ألمه.

 

لا شيء من ذلك ومن الكثير الآخر المفزع السيء الذي يصبغ أوضاع هذا الوطن صار قابلاً لصبر الشعب عليه وتجرّع مرارته.

 

لقد صار من الضروري في وعي الشعب وشعوره وإرادته أن يتغيّر الوضع، ويعمّ الإصلاح ويجد ويتجذّر ويستمر، ويقوم على أساس متين من إصلاح السياسة وأرضية دستور عادل من وضع الشعب يعالج بقواعده الصريحة وبنوده الواضحة منبع الفساد وترشح هذه المشكلات.

 

الغرب مع من؟

 

الغرب أمريكا وأوروبا مع من؟ مع الحكومات التابعة، مع الحركات المتحرّرة، مع الشعوب التوّاقة للاستقلال، مع خصوص الحركات الإسلامية منها مع الشعوب التوّاقة للاستقلال؟ هذا السؤال مسبوق بسؤال، وفي جواب ذلك السؤال الجواب.

 

ماذا يريد الغرب - أمريكا وأوروبا -؟ وماذا تريد كل الدول الكبرى المستكبرة؟ كل أولئك يبحث عن عملاء، عن عبيد، عن ثروات الشعوب، عن مواقع جغرافية مؤثرة، عن فرص استعمار واستغلال، عن تدخّل مربح في شؤون الغير، عن سيطرة وهيمنة وتحكّم في مصير الأمم والشعوب.

 

وإذا كان الأمر كذلك وهو ليس إلاّ كذلك، فالغرب وكل الدول الاستكبارية وكل الطواغيت إنما هي مع الحكومات التابعة التي لا تبخل بشيء من ثروات الأوطان وعزّتها وكرامة إنسانها وقيمه ودينه، في سبيل دعم بقائها بقوة الأجنبي بعد أن تعادي أطماعها بينها وبين شعوبها وتتنكّر لمصلحة الأوطان[2].

 

مصلحة الأجنبي إنما تلتقي مع حكومات تبيع كل شيء من أجل بقائها ولو ليوم واحد في الحكم، ولا يمكن أن تتلاقى وتتوافى مع توجّه أيّ حركة تتشبث بحرية قرارها وعزّة وطنها وأمتها - من أي وجهة نظر كانت هذه الحركة ومن أي انتماء[3] - ما دامت تصّر على الاستقلال فالغرب ليس معها.

 

وأما تصادم أولئك الطامعين الذين تحرّكهم روح الاستعمار والاستغلال والاستعباد والاستكبار مع الحركات الإسلامية الصادقة فأساسي ودائم، لما يعرفونه من عزّة الإسلام وقوّته وصلابته ومبدأيته ومقاومته وإخلاصه ونقائه وثوريته ونزاهته وإعلائيته، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والاستعمار إنما يبحث عمن يعلو عليه.

 

والتلاقي بين أيّ حركة حرّة والنظم الاستكبارية كما قد يقول به البعض في المثال الليبي، حيث تتّجه إرادة الشعب هناك إلى ما تتّجه إليه إرادة الاستكبار في إسقاط النظام ولو كان ذلك من منطلقين مختلفين، لا يدوم هذا التلاقي الذي قد يقول به البعض - لا يدوم ولا يطول -، ولا بدّ أن ينقلب في فرض تمسّك الحركة بالحرية والاستقلال والمصلحة الوطنية إلى صراع شرس مرير، وإن كان بأساليب متنوعة يمارسها الغرب بمهارة وفن، حتى يتكشّف أمر هذا الصراع ويعلن عن نفسه على مرأى من الدنيا ومسمعها.

 

اليأس من دعم القوى الاستكبارية لقوى التحرّر في العالم، لا يقلّ عن اليأس من استجابة الحكومات التابعة لها لكلمة الحق والعدل والمطالب المنصفة للشعوب إلاّ بما اقتضاه الاضطرار واستدعته الضرورة الخانقة.

 

ـــــــــــــــــ

 

[1] لم يبقَ شعب بمستوى أن يقبل أن يكون صوت الثلاثين من أبناء مواطنيه بقيمة صوت واحد، فتّش كل الأرض لن تجد شعباً يقبل بهذه المعادلة. هتاف جموع المصلّين: هيهات منّا الذلّة.

 

[2] ليس بعد أن تأخذ أطماع الحكومات الجائرة إلى معاداة مستقرة مع شعوبها إلاّ أن ترتمي في أحضان الأجنبي لتجد الدعم لها من قوته، ليستعمل أوطان الآخرين بقرة حلوب لمصالحه. هتاف جموع المصلّين: الموت لأمريكا.

 

[3] فلتكن الحركة قومية أو تكون وطنية أو تكون علمانية أو تكون إسلامية.