أخيراً أماط ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير/ شباط عن وجوه أحد قادته الميدانيين على الأرض. عباس الشيخ (25 عاماً) شاب قوي البنية، من سكنة منطقة الديه، عشقه الأول كما يروي أحد أقرب المقربين له هو: الأستاذ حسن مشيمع.

 

الشيخ الذي ظل وجهه غامضاً على الجميع حتى القريبين منه، هو ثاني شهيد يطلق عليه ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير/ شباط لقب "قائد ميداني". كان اللقب الأول قد ذهب للشهيد عبد الرضا بوحميد الذي خلع قميصه وفتح صدره لرصاص جيش المشير الخائب في 18 فبراير/ شباط 2011 وسقط مخضباً بدمائه في مشهد أسطوري سيبقى خالداً في ضمير الإنسانية.

 

تجمع المناضلون من كافة المناطق حول نعش الشهيد عباس الشيخ في مسجد الشيخ إبراهيم، بكوه بكاءً مراً، كان أحدهم يصرخ "لم تخطيء أمك يوم أن سمتك عباساً.. أنت بطل يا عباس". كان لافتاً حضور عدد كبير من الشباب الذين كانت سيماء النضال والشجاعة بادية في محياهم، يحتضن أحدهم النعش ويرفع علم الوطن الذي يغطي الجنازة، يهمس بقرب إذن عباس فينفجر البقية في بكاء مرير، كان يهمس له "ألا يا أيها الشهداء انتظروني". لم يكن الوداع الأخير لعباس مشهداً عادياً.

 

يقول أحد المقربين من الشهيد ل"مرآة البحرين" بأن "الشهيد كان ناشطاً ميدانياً منذ صغر سنه، وقد فتح عينيه على انتفاضة التسعينات. ومنذ 14 فبراير/ شباط تسلم قياد تنسيق لنشاطات التيار الشبابي في منطقة الديه وغيرها، لم ينم في منزله منذ اندلاع الثورة. خاض كل المواجهات معنا، نهض بعبء فعالية تقرير المصير في عدد من المناطق، كان هادئاً جداً رغم ما ترونه من عنفوان في صوره، كان يضحك حين كنا نتجادل حول من هو: الشهيد التالي،  كان يصمت حتى ننهي جدالنا ويقول ضاحكاً: أنا سأسبقكم جميعاً. وهذا ما حصل".

 

من أهم الفعاليات التي قادها عباس الشيخ في المنطقة قبل إصابته بأيام قليلة، هي فعالية "فجر الحرية" التي أغلق المناضلون فيها الشوارع الرئيسة دفعة واحدة في معظم مناطق البحرين. كانت فعالية محكمة النجاح والتنفيذ المتقن.

 

يضيف "الشهيد كانت لديه عدد من الأماكن ينام فيها، واحد هنا في قريته، وأماكن في مناطق أخرى، لا أعتقد أنه من الحكمة الإفصاح عنها، فلا يزال كثيرون يعيشون خارج بيوتهم".

 

مثل كثير من الشباب الذين نذروا أنفسهم لمقارعة الظلم، فكان قليلاً ما يعود إلى بيته. لم يتخلف عن أي زحف وفعالية، فقد شارك القائد الميداني عباس الشيخ في كل اعتصامات تقرير المصير، عدا فعالية تقرير المصير في منطقة الدير التي تمت محاصرتها، وكان الشهيد يفكر الوصول إليها عبر البحر، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب الحصار الذي طال حتى البحر.

 

عباس الشيخ قام برعاية المصابين في "الهولوكوست" الذي قام به المرتزقة في قرية السنابس في 23 سبتمبر/ أيلول في فعالية الزحف لميدان الشهداء، ساهم في إطفاء النيران وإخراج المصابين، وقام بتوفير الرعاية الطبية لهم خصوصاً اثنين منهم كانت حروقهما أشد من البقية، مع الإشارة إلى أن الشهيد عباس أصيب في ذلك اليوم بالرصاص الانشطاري (الشوزن) في أنحاء متفرقة من جسده.

 

وفي اعتصام تقرير المصير الذي أقيم في بلدة البلاد القديم كان عباس الشيخ أول الواصلين، وهناك صورة شهيرة له وهو يقف على المنصة المخصصة للفعالية فيما راح يرفع يديه بعلامة النصر.

 

وفي فعالية تقرير المصير في بلدة كرانة، قام الشهيد بإيقاف المواجهات بعد حضور وفد من لجنة تقصي الحقائق حينها للبلدة لمعاينة ما يحدث، وقد وقف الشهيد أمام المرتزقة رغم الطلقات المتعددة باتجاهه، ومنع حدوث أي تقدم للشباب في حضور اللجنة، كان يريد لوفد اللجنة أن ترى أن المرتزقة يقمعون كل الفعاليات السلمية سواء تقدم الشباب أم أحجم عن التقدم.

 

 يؤكد المقرب من الشهيد أن "عباس الشيخ كان لديه أصدقاء من كل التيارات رغم صغر سنه، كان قطباً يجمع الشباب، كنا نشارك معه في التظاهرات والمواجهات، كان ما يميزه حسن التخطيط والشجاعة وقوة البُنية، لقد أصيب عدة مرات بالرصاص الانشطاري (الشوزن) عن قرب،  قام بإخراج بعضها من جسده بنفسه. أما البقية فقد ذهبت عميقاً في جسده ودمه". يستدرك "لكنه كان كالأسد، حتى أصيب بعد عملية فجر الحرية وتحديداً في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بقنبلة صوتية أسفل ظهره، كانت المسافة قريبة جداً كما لو أن القنبلة انفجرت في جسده".

 

يتابع "تأثر كثيراً بسبب هذه الإصابة، ولم يستطع العلاج، وحين زاد عليه الألم ذهب لأكثر من مستشفى ولم يتوصل أحدهم لحقيقة ما أصابه، لكن الشهيد عباس رغم صعوبة الإصابة، كان يشارك بقوة في الفعاليات، كان يكتفي بمهمة التصوير للفعاليات لينشرها لاحقاً عبر الوسائل الإعلامية المتاحة".

 

اضطر عباس بعد ازدياد المعاناة من الإصابة إلى الذهاب لمستشفى السلمانية لأكثر من مرة وإجراء تحاليل لدمه، تبين أن لديه سرطاناً في الدم، مع الإشارة أن لا أحد من عائلته مصاباً بهذا المرض.

 

ويضيف أحد أكثر المقربين منه "دخل المستشفى ورقد لعدة أسابيع تلقى خلالها العلاج الكيمياوي، كان أحد الأطباء يقول لبعض أفراد عائلته: لم أر في حياتي شخصاً نسبة الدم لديه خمسة فقط وهو بهذه القوة والنشاط". عباس خرج من المستشفى لكنه عاد بعد يومين لأن حالته ساءت مجدداً بسبب الأحداث الصاخبة وتأثره من الغازات السامة التي كانت المرتزقة تغرق بها المنطقة ليلياً. عاد للمستشفى بصورة مبكرة بسبب تأثره بالغازات، كانت حالته تسوء، رقد هناك ثلاثة أسابيع، لكن المرض أخذ مداه وأدخل عباس العناية القصوى واستشهد بعد ثلاثة أسابيع من المعاناة".

 

يأتي شاب آخر يعزي الشخص المقرب من القائد الميداني الشهيد، يبكيان قليلاً، يعود للحديث "كان في المستشفى يتشوق للعودة للميادين، كان يقول مداعباً لنا: بدأتم تواجهونهم بعد أن أصبحت أنا مريضاً؟".

 

عباس الشيخ، ليس كائنا أسطورياً وليس فيلسوفاً إغريقياً، عباس شاب حمل هم وطنه واستطاع مع أقرانه بفعله اليومي، وعبر الجراح والمثابرة وعلوّ الهمّة أن يحوز ثقة أهم تيار نضالي شبابي، ليكون قائداً ميدانياً ساهم في إعادة الحياة للثورة التي أرادوا وأدها.

 

أي نجاح أكبر من ذلك، عباس الشيخ دون مبالغة، هو أحد حفظة الثورة ونافخي الروح في الوطن الذي يراد قتله. عباس بهدوء أغمض عينيه أمس 25 يناير/ كانون الثاني 2012، كأنه كان يسخر من المرض ويقول له "اذهب عميقاً في دمي… فأنا ذاهب لأسكن قلوب كل الناس.. كل الشباب المقاوم المناضل".