القصة القصيرة في "الأدب الخميني"

2007-08-21

تحوك الغياب حضوراً جميلاً

إذا جمعنا العشق الكبير والمتبادل بين الإمام والشعب الايراني مع الحس الأدبي المرهف لهذا الشعب، فستأتي النتيجة حتماً على شكل كتابات وإبداعات يمكن ان نسميها "الأدب الخميني".

جاء ارتحال الإمام الخميني المفجع إيذاناً بتدفق سيلٍ من الكتابات التي حاولت مقاربة عمق الحزن واللوعة على الفراق، ولعل الشعر كان السباق في السنوات الاولى التي تلت وفاة الإمام، الى ابراز هذه العواطف والأحاسيس، اضافة الى كتابة الخواطر والمراثي والمقالات والخطابات المباشرة والوجدانية.

ولكن مع انقضاء العقد الأول وبالتدريج، شهدت الساحة الثقافية والأدبية في ايران موجة كبيرة من الاصدارات القصصية وخاصة القصة القصيرة، التي تركزت حول شخصية الإمام وأبعادها المختلفة بأسلوب فني راقٍ، يجمع بين الاحداث الواقعية مؤرخاً لها واللمسة الأدبية المحترفة.

ولعل هذا الرواج والنجاح للقصص الخمينية يرجع الى عوامل أهمها:

توافر المادة الأدبية او الموضوع، حيث انه قد نُشرت بعد وفاة الإمام عشرات الكتب والمقالات التي كانت عبارة عن ذكريات وأحداث جرت مع الإمام ولم تكن معروفة للعموم.. حيث ان الإمام سلام الله عليه كان دائماً يتجنب تسليط الأضواء على الجوانب والاحداث الشخصية والعائلية أو التي تتعلق بأحواله وعباداته وما شابه..

مع رحيل الإمام الى لقاء معشوقه، كشف الكثير من أصحابه وخواصه عن أسرار وتفاصيل وأحداث جذابة تليق بالأدب والقصة كتابتها وتخليدها على جدار الزمن، ومن هذه العوامل أيضاً كان الاحساس عند مجموعة من الأدباء والكتاب والمثقفين بضرورة نقل ما يمكن نقله من الشذرات النورانية والذكريات المربية الى جيل الشباب والفتيان الذين لم يشهدوا الإمام ولم يعرفوه عن قرب، فكانت القصص القصيرة هي الأسلوب الأجمل للتعريف بشخصية لامست كمال المعصومين.. وهذا ما يفسر لنا ان أغلب هذه الكتابات تخاطب الشباب وكذلك الأطفال، لتنقلهم الى دفء القرب من الإمام وحياته المميزة، بعدما سمعوا الكثير عنه من الآباء والأساتذة ووسائل الاعلام.

كثرة الاصدارات وتنوعها تجعل من الصعب القيام بتقسيم موحد لها من حيث الموضوع أو الأسلوب، فضلاً عن تناولها وتحليلها. لكن مروراً سريعاً على نماذج من هذه القصص يعطي فكرة ولو بشكل كلي عن هذه الكتابة، سيما ان القارئ العربي ـ للأسف ـ محروم منها بسبب ضعف حركة الترجمة الأدبية من الفارسية.

"قمر في المهد" اسم مجموعة قصص قصيرة لمحمد كاظم مزيناني، تتميز بأسلوب بسيط في سرد أحداث من طفولة الإمام الأولى وذكريات عن والديه ومرضعته التي كانت قد فقدت ابنها ودخلت في حزن دائم لم تخرج منه إلا عندما تولّت العناية بطفل جميل اسمه "روح الله"، أوصاها أبوه السيد ان لا تأكل إلا من الطعام الذي يرسله لها أثناء فترة الرضاعة، "لأني لا أريد لروح الله إلا الحل الحلال الخالص". ثم هناك قصص الطفولة، حيث يشكو أحد الطلاب "روح الله" لأستاذه.. فيجيبه الطفل بذكاء: "أستاذ، أنا لم أقصد رمي الكرة على رأسه، ولكن رأسه كبير جداً، وكلما قذفت الكرة تصيب رأسه".. ليضحك الجميع ويخرج روح الله من دون عقاب. الكاتب لم يتدخل كثيراً في الصياغة، وترك الأحداث تمر بسلاسة وعذوبة.

نموذج آخر ومختلف للكاتب محسن برويز باسم "ذلك اليوم الذي رأيت فيه المسيح"، وفيه يشتغل الكاتب على الحبكة الفنية منطلقاً من تصريحات حقيقية للجيران الفرنسيين الذين سكن الإمام بالقرب من منازلهم في "نوفل لوشاتو" في فرنسا، وتدور القصة على لسان فتى فرنسي اسمه "لويس" سحره جمال الإمام فأسماه "السيد المسيح"، ما أوقعه بمشاكل كبيرة مع أهله لم تنتهِ إلا بعدما تعرفوا بدورهم الى الإمام وصاروا من المدافعين عنه والمعجبين به".

في قصة "رسالة الى إيطاليا" لمصطفى رحمان دوست وهو جريح ومستشار للرئيس خاتمي ومن الكتاب البارزين في ايران، تدور الاحداث من خبر ذكرته صحيفة ايرانية أوائل الثورة، ان سيدة إيطالية بعثت للإمام برسالة محبة وهدية هي عقد ثمين كانت قد تلقته في يوم عرسها، فيهدي الإمام هذا العقد بدوره الى طفلة أحد الشهداء كانت قد أتت مع أمها لزيارته.

ينسج الكاتب قصته على لسان عروس تكتب رسالة في يوم عرسها الى مجلة إيطالية وتطلب منها نشرها، لتعلن فيها عن شكر شخص ما، وتكتشف في نهاية القصة ان العروس ليست سوى تلك الطفلة التي أهداها الإمام العقد بعد سنوات طويلة على استشهاد والدها ورحيل إمامها.

"موعد مع الشمس" للكاتب أمير حسين فردي، مجموعة من القصص التي تدور حول محور واحد هو اللقاءات التي كانت تجري في حسينية جماران بين الإمام وعشاقه من جماهير الشعب، والأجواء المعنوية التي كانت ترافق هذه المواعيد، والتي كانت أشبه بالاحلام.

ومن الأجواء الواقعية تطير بعض القصص على جناح الخيال مثل "كوكب روح الله"، للكاتبة رفيعة ملك زاده، التي كتبت ما يشبه "سيناريو" لفيلم أو مسرحية تدور أحداثها بين المجرّات الكونية.

"هدية الشمس" و"شوق اللقاء" مجموعتان من القصص القصيرة لأكثر من أربعين كاتباً اختارت مؤسسة نشر آثار الإمام قصصهم من بين (530) كتاباً و(2800) عدد لمجلة و(4090) عدداً لصحيفة، وفق معايير محددة وقسمت القصص على خمس مراحل: "بدايات الثورة ـ الانتصار ـ الحرب ـ حياة الإمام الشخصية ـ رحيل الامام".

محبة الإمام للأطفال لها نصيب كبير من مواضيع القصص، فعلى سبيل المثال "الأب الأكثر حناناً" للكاتب "مجيد ملاّ محمدي"، تنقل مشاهد عجيبة من اللطف والرفق بالأطفال الذين طالما عشقوا الإمام، فكسروا الحواجز بينهم وبينه. فهذا "علي" يلاعب الإمام ويقول له "أنا سأصبح الإمام وأنت الشعب"، فيشاركه الإمام اللعبة الى النهاية.. و"فاطمة" التي لا ينساها الإمام وهو على سرير المرض والعناية الفائقة، فيعاتب أهلها "كيف تأتون من دون فاطمة؟".. كما يعاتب أولاده لأنهم أحياناً ينزعجون من لعب الأطفال: "دعوهم يلعبوا، الطفل اذا لم يلعب فهو حتماً مريض، لا بد للأطفال من اللعب".

وفي قصة "ألم تُستشهد" يمازح الإمام حفيده الفتى "مسيح" بعد عودته من الجبهة: "لم تُستشهد بعد.. لو استشهدت لكانت مؤسسة الشهيد أرسلتنا الى سوريا لزيارة السيدة زينب (ع) مع عوائل الشهداء"..

وفي قصة باسم "روح الله" يُخبر الجد حفيده المسمى "روح الله" عن أيام الثورة والشاه والجهاد مع الإمام ثم الانتصار والحرب.. وعن أبيه الذي تُوفي يوم وفاة الإمام موصياً بأن يسموه "روح الله".

"سوسن طاقديس" كتبت "هدية لك" عن طفلة صغيرة تبحث عن الهدية الأجمل للإمام، وتقرر أن تحوك له قلنسوة شاهدته يرتدي مثلها على التلفاز.. وعندما يأتي اليوم المنتظر للنزول من القرية الى طهران الإمام، يرتفع أذان العزاء "رحل الإمام".

سنة بعد سنة والأدب الخميني يطوي مسيرة نضج وتكامل، وكلما مرّت ذكرى الرحيل الأليم يحيلها الأدب حضوراً أخضر لإمام الأمة وروح الأرواح الذي لمس بيده العيسوية كل وجودنا فأعطانا الحياة.. وللأدب لوناً آخر.