الإمام الخميني نور من بقية للَّه

2011-06-06

إن يوم رحيل الإمام الخميني(قدس) والتحاقه بالرفيق الأعلى وعلى حد تعبيره يوم السفر إلى المقر الأبدي هو يوم لا ينسى ولا يمكن أن يمحى من ذاكرة المحبين للإمام(قدس) ولا من وجدانهم، والسبب لا يكمن في كثرة الحشود المليونية التي اجتمعت لوداعه في أضخم تشييع عرفه العالم ولا في حجم الأسى واللوعة التي عبّر عنها بأشكال مختلفة كل أبناء العالم الإسلامي وهم يفتقدون شخصية إلهية وعظيمة أخذت بمجامع القلوب وتعلقت بها العقول والأحاسيس وتعوّدوا عليها مظهراً لقوة الإسلام وحكومة الدين وتجسيداً لرؤى وتعاليم الأنبياء والمرسلين في زمن ازدادت فيه الغربة بين الناس والقيم الإلهية، كما أن السبب لا يكمن أيضاً في حالة الخوف والوجل التي راودت البعض للوهلة الأولى حينما تخيلوا أن فقدانه سيؤدي إلى وجود ثغرة كبيرة في الأمة إذ أن وفاة العالِم يوجد ثلمة لا يسدها شي‏ء فكيف إذا كان هذا العالم هو الشخص الاستثنائي والعارف الرباني ومحيي الشريعة في هذا العصر... إذن ما هو السبب؟

إن تجربة الإمام الخميني(قدس) وطريقة تعرُّف الناس عليه وأن الاطلاع على مواصفاته الشخصية بما حوت من استقامة وعلم وشجاعة وحكمة يندر نظيرها وأن الآثار الهائلة التي حصلت بعد بزوغ فجر الثورة الإسلامية في إيران وانتصارها وتحقق دولة الإسلام وما ترافق مع ذلك من متغيرات عالمية وإسلامية بعثت الروح والنهضة في أبناء هذه الأمة وفي كل الغيارى والمخلصين وانطوت النفوس على إحساس عميق بوحي التجربة الملموسة وبعد طول معاناة وعذاب بأن الإسلام المحمدي الأصيل بدأ يشق طريقه في هذا العصر ليحل معضلات المسلمين ومشاكلهم وأكثر من ذلك فإن هذا الإسلام العملي الخالص بإمكانه فعلاً أن ينقذ البشرية وكل المستضعفين، إلى غير ذلك من مؤثرات دينية ومعنوية وفكرية أحدثت انقلاباً كبيراً في الشخصية الإسلامية وضخَّت فيها الأمل والحياة من جديد بعد أن شارفت على التهاوي، والأهم أنها حرّكت العلماء والمفكرين والجماهير دفعة واحدة باتجاه يوم الخلاص الموعود وأضاءت لهم آمال المستقبل التي طالما انتظروها فإذا بالعقيدة التي يؤمن بها كل المسلمين حول الإمام المهدي(عج) بدأت بالظهور من جديد على مسرح الفكر والأحداث وإذا بالروايات الكثيرة التي دوّنتها الكتب المنقولة عن رسول اللَّه(ص) والأئمة الأطهار(عليهم السلام) أصبحت متداولة عند العلماء والمفسرين والباحثين وحتى السياسيين وبدأ الجميع يتناولها كلٌّ من منطلقاته الخاصة، وأن أكثر ما استوقف المطلعين والعارفين هو الأحاديث الواردة بحق الرايات السوداء وأهل قم والذين يخرجون من المشرق ليوطئوا للمهدي وسلطانه وغير ذلك من أحاديث معروفة وكثيرة نقلها أهل السنّة والشيعة على حدٍ سواء، والذي زاد في تأجيج الفكرة والمشاعر هو نفس شخصية الإمام الخميني(قدس) وطبيعة فكره وطريقة تناوله للأحداث العالمية والخلفية التي انطلق منها والتي تعمد ربطها دائماً بالأمور المعنوية وبحركة التمهيد للإمام المهدي(عج) حيث سمعناه في أكثر من مناسبة يتحدث عن صاحب الأمر وهو يظهر الإيمان والإجلال ويعتبر أن كل ما عنده هو من بركاته وأنه هو الإمام الناظر والشاهد على كل الأحداث والقادر على فعل التغيير الأكبر، كما أن طبيعة الأحداث التي جرت وتحركت في إيران بعد أن أصبحت دولة الإسلام وموئل العشق لأتباع آل محمد(ص) ثم الإنعكاسات التي أوجدها في المنطقة والتأثيرات العظيمة على كل الأمة الإسلامية بل على كل المعادلات الدولية التي كان الإستكبار اعتقد أنه أرساها وأحكمها فإذا بها تتزلزل وتضطرب بفعل الواقع الجديد مما جعل الأمة أمام تحديات جديدة. كل هذه الأمور أضْفَت على ثورة الإمام الخميني(قدس) بعداً عالمياً وتاريخياً يتناسب إلى حد كبير مع الإرهاصات التي أشارت إليها روايات الظهور وأنتجت تبعاً لذلك جيلاً كاملاً يتنامى فيه الأمل على قاعدة العمل لتهيئة الأسباب وبذل الجهد للتوطئة والتمهيد حتى أضحى هذا العنوان سمة من سمات هذه الحقبة المهمة في تاريخ أمتنا وفي كل جبهات الصراع مع أعداء الإسلام، بل أصبح هدف السعي لتعجيل الظهور من أجل خلاص البشرية من الأهداف المنظورة والمشروعة ليس على قاعدة التعلق الوجداني بالغيب فحسب بل على قاعدة توفير شروط الإستحقاق لهذا الغيب الذي تم إعداده وتجهيزه للحظة اللقاء ولساعة توفُّر الظروف الملائمة ولهذا كان طبيعياً أن تصبح فكرة التعلق بإمام الزمان(عج) أقرب إلى القلب وأحياناً كما هو الصحيح أكثر الأفكار حضوراً في عقول المجاهدين والمستضعفين في العالم ولهذا كان عادياً جداً في سلوك أهل الحق والجهاد أن يستفيدوا ما أمكن من حرارة هذه القضية لتعطيهم دفعاً جديداً يضاف إلى دفع إيمانهم بحقوقهم وقضاياهم.. ولهذا أيضاً تألَّقت الفكرة التي أصبحت مع الأيام شعاراً (إن عشق الإمام الخميني(قدس) يوصل إلى عشق الإمام المهدي(عج)).

إن الخميني كتب بكفاحه وجهاده ومثابرته واحدة من أروع أهازيج العز والفخر، ظل المؤمنون يرددونها في أنحاء العالم، ويستمدون منها القوة والصبر في مواجهة قوى الإستكبار والطغيان.

عاش الخميني من أجل المستضعفين في العالم، فلم ينسوه وظل خالداً في ذاكرتهم.

انه رجل لم يعرف معنى الخوف في حياته، فهو لم يكن كباقي الرجال، ولم نعرف في زماننا هذا كالخميني.

وصدق سليمان كتاني الكاتب اللبناني المعروف حين قال عن الإمام الخميني(قدس): (قطب عظيم، لم ينبض مشرقنا الأوسطي بمثيل له منذ عهد طويل).

إذا أردنا أن نعرف سر جهاد الإمام وتضحيته في سبيل القضية التي ثار من أجلها علينا أن نفهم الآية الكريمة والتي تقول: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).

إن كل هذه المعاني وغيرها تخطر في بال الإنسان عندما وقف الملايين المحتشدة في طهران ليلقوا نظرة الوداع على الإمام الخميني(قدس) وهو مسجى بين عشاقه وأبنائه تارةً أو محمولٌ على أكف الأرواح والقلوب تارةً أخرى وتتراءى من وراء نوره المتصل به صورة المعشوق المنتظر الذي طالما اعتقدنا أنه كان خلف هذا الرجل العظيم الذي عكس حبه بكل صدق وإنصاف وعرف كيف يؤدي دوره بشكل تام حينما أوصل الناس إلى المقصد ثم رحل بقلب هادئ ونفس مطمئنة.