نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام عام 1400هـ

2007-08-27

 

 

نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام

2 ذي الحجة 1400 هـ ق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

السلام على حجاج بيت الله الحرام.

السلام على الحجاج المجتمعين في مركز الوحي الإلهي ومهبط ملائكة الله.

السلام على المؤمنين الذين هاجروا من بيوتهم إلى بيت الله.

السلام على جميع مسلمي العالم ممن يكون النبي الأعظم وخاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّهم، والقرآن الكريم كتابهم، والكعبة المعظمة قبلتهم.

السلام على الذين أعرضوا عن جميع أقسام الشرك واتجهوا نحو مركز التوحيد، وتحرروا من قيد العبودية والطاعة لجميع أوثان العالم ومراكز الاستكبار والاستعمار والقوى الشيطانية، وارتبطوا بالقدرة الإلهية المطلقة وحبل التوحيد المتين.

والسلام على الذين أدركوا رمز دعوة الله تعالى للوفود على بيت الله، ولبّوا (الدعوة).

والآن يلزم تذكيركم أيها المسلمون المتحررون المجتمعون لأداء هذه الفريضة العبادية السياسية بأمور لتعلموا ما يجري في البلدان الإسلامية وما يُخطط لاستعمار المسلمين واستغلالهم والسيطرة عليهم، و(لتفهموا) الأيادي الخبيثة التي تعمل على اضرام نيران (تلك المخططات):

1 ـ على أعتاب تقارب جميع مسلمي العالم وتفاهم كل المذاهب الإسلامية من اجل تحرير بلدانهم من البراثن الخبيثة للقوى الكبرى، وعلى أعتاب قطع أيادي الظالمين الشرقيين والغربيين من ايران برمز وحدة الكلمة والاتكال على الله العظيم والاجتماع تحت لواء الإسلام والتوحيد، (في هذه المرحلة الزمنية) دعا الشيطان الأكبر فراخه ليلقوا التفرقة بين المسلمين بكل حيلة متصورة، ولجرّ الأمة الموحّدة والأخوة في الإيمان إلى الاختلاف والعداء، ولفتح الطريق أكثر فأكثر لسيطرته ونهبه.

الشيطان الأكبر الذي يتهيّب من تصدير الثورة الإسلامية في ايران إلى سائر البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، ومن قطع يده الخبيثة عن البلدان الخاضعة لسيطرته، مع أنه لم يكف طرفة عين عن المحاصرة الاقتصادية والهجوم العسكري، عمد إلى حيلة أخرى ليطعن في ثورتنا الإسلامية أمام مسلمي العالم، ولإثارة النزاع بين المسلمين، وليتسنّى له الاستمرار في ظلمة ونهبه في البلدان الإسلامية، وتلك (الحيلة) هي أنه على أعتاب المساعي الدائبة التي تبذلها ايران لوحدة الكلمة وللتمسك بالإسلام العظيم وللتوحيد بين جميع المسلمين في العالم، أمر واحداً من العملاء الخبثاء لأمريكا ومن أصدقاء الشاه المخلوع المعدوم ليأخذ من فقهاء أهل السنة ومفتيهم فتوى بشأن كفر الايرانيين الأعزّاء، وقال بعض هؤلاء العملاء: إن الإسلام الذي يرفعه الايرانيون غير الإسلام الذي نقول به. نعم، إسلام الايرانيين غير إسلام هؤلاء الذين يساندون عملاء أمريكا كالسادات وبيغن، ويعرضون عن أمر الله تعالى فيمدّون يد الصداقة إلى أعداء الإسلام ولا يدّخرون وسعاً وافتراءً للتفرقة بين المسلمين.

على مسلمي العالم أن يشخّصوا هؤلاء المفرقين ويحبطوا مؤامراتهم الخبيثة.

2 ـ في مرحلة هجوم القوى الكبرى على البلدان الإسلامية مثل (هجوم السوفيت) على أفغانستان وقتل المسلمين الأفغانيين دون رحمة وبوحشية لمعارضتهم تدخل الأجنبي في مقدراتهم، أو أمريكا الضالعة في كل فساد، ومع الهجوم الشامل (الذي تشنه) اسرائيل المجرمة على المسلمين في فلسطين ولبنان العزيز، ومع (تنفيذ) المشروع الاسرائيلي الاجرامي الرامي إلى نقل عاصمتها إلى بيت المقدس وتوسيع جرائمها ومذابحها الوحشية بين المسلمين المشردين من أوطانهم، وفي هذا الوقت الذي يحتاج فيه المسلمون أكثر من أي وقت آخر إلى وحدة الكلمة، يعمد السادات، هذا الخائن الخادم لأمريكا وصديق وشقيق بيغن والشاه المخلوع المعدوم، وصدام هذا الخادم المطيع لأمريكا، إلى التفرقة بين المسلمين، ولا يألون جهداً في ارتكاب كل جريمة على هذا الطريق، يأمرهما بها سيّدهما.

إن هجوم أمريكا المتوالي على ايران وإرسال الجواسيس لإسقاط ثورتنا الإسلامية، ومؤامرة السادات لإيجاد الاختلاف، وبث دعايات السوء والأكاذيب والافتراء على القائمين بأمر الحكومة الإسلامية عن طريق العراق، كلها من نسيج واحد.

على المسلمين أن يتنبّهوا إلى خيانة هؤلاء العملاء لأمريكا بالإسلام والمسلمين.

3 ـ من المسائل التي طرحها المخططون لإيجاد الاختلاف بين المسلمين وهمّ عملاء المستعمرين بنشرها، هي القومية والوطنية، وحكومة العراق تضرم نيرانها منذ سنوات، وانتهجت فئات (أخرى) ايضاً هذا الطريق، جاعلين المسلمين مقابل بعضهم الآخر، وحتى جروهم إلى العداء، غافلين ان حبّ الوطن، وحبّ أهل الوطن وصيانة حدود البلاد مسألة لا نقاش فيها، و(رفع شعار) القومية امام الشعوب المسلمة الأخرى مسألة تخالف الإسلام والقرآن الكريم وتعاليم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). والقومية التي تؤدي إلى العداء بين المسلمين والانشقاق بين صفوف المؤمنين مخالفة للإسلام ولمصلحة المسلمين، وهي من حيل الاجانب الذين يؤلمهم الإسلام وتوسّعه.

4 ـ وأخطر من القومية وأمضّ منها ايجاد الاختلاف بين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة، وبث الدعايات المثيرة للفتنة والعداء بين الأخوة المسلمين. وبحمد الله لا يوجد اختلاف بين الطائفتين في الدولة الإسلامية، ويعيش الجميع متعايشين بودّ وأخوة. وأهل السنة، الذين يعيشون بكثرة في أطراف إيران وأكنافها ولهم علماؤهم ومشايخهم الكثيرون، أخوة لنا ونحن أخوة لهم ومتساوون معهم، وهم يعارضون النغمات المنافقة التي يعزف عليها بعض المجرمين والمرتبطين بالصهيونية وأمريكا.

ليعلم الأخوة أهل السنة في البلدان الإسلامية أن العملاء المرتبطين بالقوى الشيطانية الكبرى لا يريدون خير الإسلام والمسلمين، وعلى المسلمين أن يتبرأوا منهم، وأن يعرضوا على دعاياتهم المنافقة.

أمدّ يد الأخوة إلى جميع المسلمين الملتزمين في العالم، وأطلب منهم أن يعتبروا الشيعة أخوة أعزّاء لهم، ليحبطوا بعملهم هذا ـ كما في السابق ـ مؤامرات الأجانب المشؤومة.

5 ـ من الدعايات الواسعة التي هي على الظاهر ضدّ إيران، وهي في الحقيقة ضد الإسلام، أن الثورة في ايران لا تستطيع إدارة البلاد، وأن الحكومة الايرانية تشرف على السقوط، لعدم وجود اقتصاد سالم ولا ثقافة صحيحة ولا جيش منسجم ولا قوى مسلحة مستعدة فيها!! وهذه الدعايات تنشر من جميع وسائل الإعلام الأمريكية، والمرتبطة بها، وتبعث السرور في قلوب أعداء ايران والإسلام. وهذه الدعايات موجهة في الحقيقة ضد الإسلام مستهدفين بها إظهار عجز الإسلام عن إدارة البلدان في العصر الراهن.

واليوم، على المسلمين أن يدرسوا المسائل بدقة ويقارنوا الثورات غير الإسلامية بالثورة الإسلامية. الثورة الإسلامية، مع كونها قد ورثت بلداً تابعاً تماماً، وخرباً، ومتخلفاً في جميع المجالات، وقد عمل النظام البهلوي العميل خلال أكثر من خمسين عاماً على جرّه إلى السقوط في كل ناحية، وقدّم ذخائره الطائلة إلى جيوب الاجانب خاصة بريطانيا وأمريكا، ونهب الباقي لصالحه ولصالح عملائه، وجعلنا نواجه مشاكل كثيرة، (مع كل ذلك) فنحن ببركة الإسلام والشعب المسلم قد صادقنا خلال أقل من عامين على كل ما له علاقة في إدارة البلد وأدخلناه حيّز التنفيذ. ومع كل المشاكل التي خلقتها لنا أمريكا وأذنابها على صعيد المحاصرة الاقتصادية والتدخل العسكري وتدبير المؤامرات، فإن شعبنا البطل قد أوصل انتاج المواد الغذائية إلى حدّ الاكتفاء الذاتي، ووفّر سائر ما يحتاجه البلد أيضاً، وسنبدل قريباً الثقافة الاستعمارية (المتبقية) من النظام السابق إلى ثقافة مستقلة إسلامية. والقوى المسلحة؛ الجيش وحرس الثورة والدرك والشرطة، مستعدة للدفاع ولحفظ النظم، وكلها مستعدة لتقديم النفس على طريق الجهاد. إضافة إلى ذلك جيش العشرين مليون و(أعضاء) التعبئة العامة، المجهزين بتنظيم الشعب نفسه، مستعدون للتضحية على طريق الإسلام والوطن. وليعلم أعداؤنا أن أية ثورة في العالم لم تبلغ ما بلغته الثورة الإسلامية في قلة خسائرها وعظم عطائها. وما ذلك إلاّ بفضل الإسلام.

ماذا يقول هؤلاء الخرّاصون؟ الإسلام الذي حكم نصف المعمورة لقرون عديدة، كيف يعجز الآن عن إدارة البلدان؟! شعبنا اليوم على أهبة الاستعداد والنشاط للمساعدة في إدارة البلاد وتنظيمها. أعداء الإسلام غافلون أو متغافلون عن قدرة الإسلام على هدم أسس الظلم، وعلى إدارة دفة البلاد وفق أسس العدالة. أعداء الإسلام بل كثير من أتباع الإسلام جأهلون ما في الإسلام من قدرة إدارة وأحكام سياسة واجتماعية. الإسلام في الواقع كان طوال التاريخ بعد صدر الإسلام مهجوراً ومحجوباً، والآن ينبغي أن يعرّف بمساعدة جميع المسلمين والعلماء والمفكرين والباحثين الإسلامييين كي يتجلّى وجهه الساطع كالشمس التي تغمر المعمورة بأشعتها.

يا مسلمي العالم المؤمنين بحقيقة الإسلام!

انهضوا، وتجمعوا تحت لواء التوحيد وفي ظل تعاليم الإسلام، واقطعوا الأيدي الخائنة للقوى الكبرى عن بلدانكم وخزائنكم الطائلة، وأعيدوا مجد الإسلام، وكفوا عن الاختلافات والأهواء النفسية، فأنتم تملكون كل شيء.

اعتمدوا على ثقافة الإسلام، وحاربوا الغرب والتغرّب، وقفوا على أقدامكم، وهاجموا أنصاف المثقفين الذائبين في الغرب أو الشرق، واستعيدوا هويتكم، فأنصاف المثقفين المأجورين أنزلوا المآسي بشعوبهم وبلدانهم، فإن لم تتحدوا ولم تتمسكوا دقيقاً بالإسلام الصحيح فسينزل بكم ما نزل بكم حتى الآن. إن هذا عصر ينبغي أن تضيء الشعوب فيه الطريق لأنصاف مثقفيها، وتنقذهم من الذوبان والضعف أمام الشرق والغرب؛ فاليوم يوم حركة الشعوب، وهي الهادية مَنْ كان يهديها من قبل.

اعلموا أن قدرتكم المعنوية تفوق كل القدرات، وبعددكم البالغ مليار انسان، وبما تملكونه من خزائن طائلة، قادرون على تحطيم جميع القدرات. انصروا الله كي ينصركم.

أيها البحر العظيم من المسلمين!

اهدروا، وحطموا أعداء الانسانية، فإن اتجهتم إلى الله والتزمتم بتعاليم السماء فالله تعالى وجنده العظام معكم.

6 ـ أهمّ وأمضّ مسألة تعاني منها الشعوب الإسلامية، وغير الإسلامية في البلدان الخاضعة هي مسألة أمريكا. الحكومة الأمريكية باعتبارها (حكومة) أقوى بلد في العالم لا تألوا جهداً في ابتلاع المزيد من الذخائر المادية للبلدان الخاضعة.

أمريكا العدو الأول للشعوب المحرومة والمستضعفة في العالم، أمريكا لا تتردّد في ارتكاب أية جريمة من أجل فرض سيطرتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية على العالم الخاضع لها. إنها تستثمر الشعوب المظلومة في العالم بدعاياتها الواسعة التي تدبّجها الصهيونية العالمية. إنها ورموزها المشبوهة الخائنة تمصّ دماء الشعوب المقهورة حتى كأن حق الحياة خاص بها وبأتباعها. وايران، التي أرادت أن تقطع ارتباطها نهائياً بالشيطان الأكبر، تعاني اليوم من هذه الحرب المفروضة. أمريكا حثت العراق على إراقة دم شبابنا، ودفعت بسائر البلدان الخاضعة لنفوذها إلى الاطاحة بنا عن طريق المحاصرة الاقتصادية، ومن المؤسف أن أكثر البلدان الآسيوية هي الأخرى ناصبتنا العداء.

على الشعوب المسلمة أن تعلم أن ايران بلد يحارب أمريكا رسميّاً، وشهداؤنا هم من هؤلاء الشباب الأبطال (من أبناء) الجيش والحرس الذين يقفون أمام أمريكا دفاعاً عن ايران والإسلام العزيز. إن ذكر هذه المسألة ضروري وهي أن اشتباكات غرب بلادنا العزيزة إنما هي اشتباكات تثيرها بوجهنا يومياً أمريكا عن طريق الفئات الضالة العميلة، وهذا يرتبط بمحتوى ثورتنا الإسلامية القائمة على اساس الاستقلال الحقيقي، إذ لو كنّا قد تنازلنا لأمريكا ولسائر القوى الكبرى لما ابتلينا بهذه المصائب، لكن شعبنا لم يعد مستعداً على الاطلاق لأن يرضخ للحقارة والذّل، وهو يفضّل الموت الأحمر على الحياة الذليلة. نحن مستعدّون للقتل، وعاهدنا الله على أن نسير على طريق إمامنا سيد الشهداء (عليه السلام).

أيها المسلمون المتضرّعون (إلى الله) جوار بيت الله، ادعوا للصامدين امام أمريكا وسائر القوى الكبرى، واعلموا أنّا لسنا في حرب مع العراق، وشعب العراق يساند ثورتنا الإسلامية، نحن في حرب مع أمريكا، واليوم فإن يد أمريكا قد خرجت من كُمّ حكومة العراق، وبإذن الله ستستمر هذه المجابهة حتى (تحقيق) الاستقلال الواقعي، فقد قلت مراراً إننا رجال حرب، ولا معنى للاستسلام عند المسلم.

أيّتها البدان غير المنحازة!

اشهدي أن أمريكا تستهدف إبادتنا، عودي إلى رشدك وساعدينا على هدفنا. نحن أعرضنا عن الشرق والغرب وعن الاتحاد السوفيتي وأمريكا، لندير بلادنا بأنفسنا؛ فهل من الحق أن نتعرّض لهجوم كهذا من الشرق والغرب؟! إنه لاستثناء تاريخي في أوضاع العالم الحاليّة أن لا يواجه هدفنا أي فشل حتماً، بموتنا وشهادتنا وهزيمتنا.

لقد قلت مراراً أن القبض على الرهائن بيد طلبتنا المسلمين والمناضلين والملتزمين ردّ فعل طبيعي للضربات التي أنزلتها أمريكا بشعبنا، وهؤلاء يطلق سراحهم باستعادة أموال الشاه المعدوم وإلغاء كل إدعاءات أمريكا ضد ايران، وضمان عدم التدخل السياسي والعسكري الأمريكي في إيران، وإطلاق كل رؤوس أموالنا، وهذا الأمر أوكلته طبعاً إلى مجلس (الشورى) الإسلامي ليتخذوا ما يرونه صالحاً من قرار. لقد عومل هؤلاء (الرهائن) على أفضل وجه، لكن إعلام أمريكا وأذنابها لم يدّخر أي كذب وافتراء وتهمة في هذا المجال، بينما أمريكا وبريطانيا تنزل بأبنائنا الأعزاء أفظع الإهانات وألوان التعذيب الروحي والجسمي، ولم يدافع أي مسؤول رسمي في المحافل الدولية عن أحبتنا الاعزاء هؤلاء، ولم يشجب أي شخص أمريكا وبريطانيا على هذا التصرف الوحشي.

أسأل الله تعالى أن يمنّ على الشعوب الأسيرة بالحرية وتحقيق الجمهورية الإسلامية.

والسلام على عباد الله الصالحين

روح الله الموسوي الخميني