فلسطين ومواجهة الصهيونية في فكر الإمام الخميني (قدس سره)
2007-08-27
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأعز المرسلين سيدنا وحبيبنا وطبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. السادة العلماء، إخواني وأخواتي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خصائص رؤية الإمام للقضية الفلسطينية
تميَّزت رؤية الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) للقضية الفلسطينية بعدة خصائص :
الأولى : أن الصراع مع الكيان الصهيوني صراع مصيري وجودي، وليس نزاعاً سياسياً أو حدودياً، يدخل في إطار المساومات الرخيصة.
الثانية : أنه صراع عقيدي ديني بين الإسلام والصهيوينة، فالإمام أدخل البعد الإسلامي والعقائدي إلى عمق الصراع مع العدو الصهيوني، ليوسع بذلك معسكر المواجهين للصهيونية، ليشمل أكثر من مليار مسلم يؤمنون بمقتضى عقيدتهم بوجوب مواجهة الظلم والاحتلال، ونصرة المظلومين، ونجدة المسلمين المعتدى على أرضهم ومقدَّساتهم .
الثالثة : أنه صراع متعدد الأطراف، فالولايات المتحدة الأمريكية والشاه وكل الحكام المستبدِّين يمثلون أهم أطرافه، وبرأي الإمام الخميني(قدس سره) فإن الذي أوجد إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي هي قوة الشرق والغرب، أو بتعبير آخر قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فهما اللذان صنعا هذا الوجود وعززاه وثبتاه وأكداه وقدما له الدعم السياسي والعسكري على مستوى التأسيس.
يقول(قدس سره) «لقد ولدت إسرائيل بفكرٍ مشترك، وتواطؤ بين الشرق والغرب من أجل استعمار الشعوب الإسلامية والقضاء عليها ، واليوم فإنها مدعومة ومحمية من قبل جميع المستعمرين»
أسباب بقاء إسرائيل في رؤية الإمام الخميني(قدس سره).
ويرى الإمام أن بقاء إسرائيل واستمرارها ونموّها ليس بقدرتها الذاتية، وإنما يعود ذلك لعدة أسباب:
أولاً : دعم الغرب اللامحدود لهذا الكيان، وضمان تفوقه وتبنيه على المستوى السياسي من خلال استخدام أمريكا لحق الفيتو على أي قرار يدين إسرائيل أو يسيء إليها، وعلى المستوى الاقتصادي من خلال مليارات الدولارات التي تقدمها الولايات المتحدة سنوياً لإسرائيل، وعلى المستوى العسكري من خلال التقديمات العسكرية المتطورة مما لا تملكه أية دولة عربية، بل مما لا يملكه مجموع الدول العربية.
يقول(قدس سره) : «أمريكا تعطي الإمكانيات لإسرائيل من أجل تشريد العرب والمسلمين»
من هنا يعتبر الإمام المقدس أن أمريكا هي السبب في بقاء إسرائيل، واستمرار وجودها في المنطقة، ويرى أن القرار الإسرائيلي هو قرارٌ أمريكيٌ مِئَة بالمِئَة.
وفي بعض الأحيان ولأجل أن تكون أمريكا مقبولة في الأوساط الإسلامية والعربية تعمد إلى المناورة السياسية، باستخدام لغتين مختلفتين، لتوحي للرأي العام أنها غير راضية عن إسرائيل، في هذا الموقف أو ذاك، ولأجل أن تبقى محافظةً على طروحاتها التي تتكلم عنها كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، تعمد إلى الأسلوب الآنف، والذي يعتبر الأمثل للحفاظ على ماء وجهها، وهو ما أشار إليه الإمام في أكثر خطاباته. فصاحبة القرار أمريكا وليست إسرائيل، والذين يقولون بأن لإسرائيل قرارها المستقل مخطئون، والقائلون بأن لكلٍ منهما مشروعه الخاص، وهناك نقاط اشتراك بينهما مخطئون أيضاً، فالصهيونية برأي الإمام وسيلة وأداة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا لا يمنع أن يكون للصهاينة تأثير في القرار الأمريكي لكن أمريكا هي سيدة القرار، والصهاينة لا يستطيعون الخروج عن دائرة القرار الأمريكي.
وللإمام الراحل تعبيرات متعددة تتناول هذا الموضوع منها قوله : «إسرائيل تتبع سياسة أمريكا وتنفذ مشروعها في المنطقة، وإسرائيل هي الولد غير الشرعي لأمريكا في المنطقة» وفي موضع آخر يقول: «إسرائيل جرثومة الفساد هذه كانت دائماً قاعدة لأمريكا، وعليه فمهما حاولت أمريكا وإسرائيل رفع شعارات السلام في المنطقة فعلينا أن ندرك أنها المناورة والتكتيك» .
ثانياً : اختلاف المسلمين، فإن الخلافات الحادة بين العرب والمسلمين على مستوى الحكومات وداخل كل بلدٍ، والتي عملت قوى الاستكبار العالمي على تغذيتها على مدى أكثر من مائتي عام من خلال العملاء السياسيين والأمنيين النافذين في كثير من وسائل الإعلام والمؤسسات، إن مثل هذه الخلافات هي التي مزقت الأمة وشتَّتت طاقاتها وجعلتها ضعيفة أمام الصهاينة، يقول الإمام في إحدى كلماته «لو أن رؤساء الدول الإسلامية يتخلون عن خلافاتهم الداخلية، ويتعرفون على الأهداف العالية للإسلام ويميلون إلى الإسلام فإنهم لن يصبحوا أسرى وأذلاء للاستعمار» .
ثالثاً: اعتماد الطرق الدبلوماسية من قبل بعض الأنظمة العربية والإسلامية، فإن من جملة بقاء إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي هو رهان العرب والمسلمين على الطرق السياسية والدبلوماسية في طريقة التعاطي مع إسرائيل لحل قضيتهم منذ سنة 1948، وما ذلك إلا بسبب تخاذلهم وعدم توكلهم على الله، وللإمام في هذا المجال كلامٌ واضح إذ يقول: «من أجل تحرير القدس يجب استعمال الرشاشات المتكلة على الإيمان وقوة الإسلام، وأن يدعوا جانباً اللعب السياسية التي تفوح منها رائحة المساومة لتبقى الدول الكبرى راضيةً، يجب على الدول الإسلامية وخصوصاً الشعب الفلسطيني واللبناني أن يتنبهوا إلى الذين يقضون أوقاتهم في المناورات السياسية، وأن لا يذهبوا تحت اللعب السياسية التي لا تعطي نتيجةً سوى الخسارة والضرر للشعب المظلوم» .
رابعاً: إن عدم وجود حكومات صالحة في بلاد المسلمين، مضافاً إلى إبعاد الإسلام عن حركة الصراع، كانا سببين أيضاً لإبقاء واستمرار هذا الكيان في المنطقة، ويرى(قدس سره) أن إبعاد الإسلام عن حركة الصراع يمثل السبب الرئيسي في استمرار وجود إسرائيل، لقناعته بعدم مؤثِرية المنطلقات الأخرى في إيجاد حركات المقاومة للعدو.
وعندما يتحدث الإمام عن مشروع إسرائيل في المنطقة، فإنه لا يتحدث عن مشروعها القاضي بالسيطرة على فلسطين وحدها، أو عن الأراضي الواقعة بين النيل والفرات، بل نراه يوسع حدود هذه الأرض لتشمل جميع الأراضي العربية ودولها، فإسرائيل الكبرى من منظار الإمام الخميني(رضوان الله عليه) لا حدود لها.
يقول الإمام(قدس سره): «منذ سنواتٍ طوال وأنا أذّكر وأحذّر المسلمين دائماً في الخطب والمقالات من إسرائيل وجرائمها، ومن أن هذه الغدة السرطانية الموجودة في إحدى زوايا الدول الإسلامية لن تكتفي فقط بالقدس» ويقول في موضعٍ آخر «يجب أن يعلم الجميع أن هدف الدول الكبرى من إقامة إسرائيل لا يقف عند حد احتلال فلسطين، إنهم يخططون لتواجه الدول العربية كلها نفس المصير الذي واجهته فلسطين ».
من هنا وبرأي الإمام فإنه ليس من خيارٍ أمام العرب والمسلمين لاستعادة فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة سوى خيار المقاومة والانتفاضة، ويتضح ذلك من تحليل جميع خطب الإمام وبياناته عن إسرائيل، فالباحث لا يجد لديه أي محاولة لإدخال خيار آخر في الصراع مع الصهاينة، كالخيار الدبلوماسي التفاوضي أو الصراع السياسي أو توزيع الأدوار بين السياسة والحرب، إن اللغة السائدة في الخطاب السياسي للإمام هي لغة الجهاد والمقاومة، ولا توجد لغة أخرى في خطاباته وبياناته.
وفي هذا الإطار يؤكد الإمام على أن لا يبقى ولا شبرٌ واحد من أرض فلسطين في أيدي المحتلين، بل يجب إنقاذ واستعادة فلسطين، كل فلسطين، من دنس الصهاينة، أي ما تم احتلاله سنة 1948، وما تم احتلاله سنة 1967، وبناءً عليه فليست للصهاينة أية حقوق في الأراضي الفلسطينية على حسب رأي الإمام.
من هنا لا بد من إدارة الصراع على هذا المستوى والعمل حسب رأي الإمام(قدس سره) على اجتثاث إسرائيل واستئصالها، بحيث لا يبقى لها وجود، وللإمام تعبيرات متعددة تتناول هدف استئصال هذا الكيان الغاصب، يقول(قدس سره): «نحن لا نعترف بأي حقٍ لإسرائيل في الوجود» أو تعبير «يجب أن تزول إسرائيل من الوجود» و«يجب أن تزول جرثومة الفساد من جسد الأمة» أو تعبير «يجب استئصال الغدة السرطانية» فلا خيار غير ذلك.
وسائل مواجهة الصهيونية في نظر الإمام الخميني(قدس سره)
أما ما هي الوسائل لتحقيق ذلك ومواجهة الصهيونية، ففي نظر الإمام هناك عدة وسائل يمكن استخدامها لاجتثاث الكيان الغاصب إسرائيل :
أولاً: تنبيه المسلمين إلى خطر إسرائيل، والعمل على تعبئة الشعوب الإسلامية تربوياً وثقافياً وسياسياً وجهادياً في مواجهة الصهيونية، وإفهامهم أن الصراع لا يدور حول فلسطين فقط، بل حول أصل الإسلام ومستقبل الشعوب الإسلامية والعربية في المنطقة، يقول(قدس سره) «نبهوا الناس وحذروهم من خطر إسرائيل وعملائها».
وفي هذا السياق يعتبر الإمام أن مسؤولية العلماء والمفكرين والمربين والأساتذة والإعلاميين تنبيه الأمة إلى الأخطار المحدقة بها من قبل الكيان الصهيوني، ولكي تبقى هذه القضية في عقل الأمة ووجدانها عمل الإمام على إعلان يوم عالمي للقدس، واختار هذا اليوم في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك مع ما يرمز إليه هذا اليوم من عوامل إيمانية وروحية وجهادية ومن أهمية كبيرة، وذلك ليثير في وجدانها عمق هذا الخطر وأثره على الإسلام والمسلمين والعرب .
ثانياً : وحدة الأمة وعدم التنازع وإزالة كل عوامل الفرقة والخلاف والابتعاد عن كل أشكال الفتنة، وتعزيز روح التعاون بين الشعوب الإسلامية في مواجهة هذا الكيان الذي لا يسمح لإسرائيل أن تقوى يوماً بعد يوم، فالإمام يرى أن الوحدة بين أبناء الأمة والتوكل على الله سبحانه وتعالى شرطان أساسيان لإنقاذ فلسطين ومنع الصهيونية من تحقيق أهدافها، يقول(قدس سره): «أرجو من الله تعالى أن يمنَّ على إخواننا الفلسطينيين بالنجاة، كما منَّ على شعبنا بالنصر بوحدة كلمتهم فبوحدة الكلمة وبالتوكل على الله تعالى أنقذوا أنفسهم من هذه العائلة» (يعني الشعب الإيراني أنقذ نفسه من عائلة الشاه الحاكمة) كذلك فقد اشتُهِرَعن الإمام قوله : «لو أن جميع المسلمين اتحدوا وصبَّ كل واحد منهم دلواً من الماء على إسرائيل لجرفتها السيول» واقتلعتها من الجذور أو أزالتها من الوجود.
ثالثاً: تركيز مفاهيم الإسلام في وجدان الأمة، كي تستطيع الأمة أن تقف في وجه العدو الصهيوني، فإنه لا بد من تركيز مفاهيم الإسلام وأحكامه في وسط الأمة ليدخل إلى عقلها وقلبها ووجدانها، فتستطيع بذلك أن تقف على أرضٍ صلبةٍ من حيث الانتماء الفكري والعقائدي، وتستطيع أن تثبت هويتها المميزة ففي مقابل أي طرحٍ فكريٍ آخر، ومن بين المفاهيم التي طرحها الإمام ليربي الأمة على أساسها، هو مفهوم الحياة العزيزة ولو اضطرت أن تحيا حياة الفقر والحرمان، ورفض حياة الذل، مقابل التمتع بحياة مادية، لأن الحر يستطيع أن يصنع الرفاه المادي في أي وقت يشاء، بينما المستعبد الذليل لا يستطيع ذلك، لأن حريته مسلوبة وكذلك عزته واستقلاله، يقول الإمام(قدس سره) « أنا متأكد من أن الشعب الإيراني لا يبادل لحظة عزة واستقلال بألف سنة في النعم والدلال ولكن مع التبعية للأجانب والاستعمار» وقال أيضاً : «يجب على الناس أن يقرروا إما الرفاه والتبذير وإما تحمل المصاعب والاستقلال، وهذه قضية تتطلب عدة سنوات، ولكنني على يقين من أن شعبنا سوف يختار الطريق الثاني الذي هو طريق الاستقلال والشرف والكرامة» .
رابعاً : تأكيد مفهوم المقاومة السلبية، أي عدم الاعتراف بالكيان الغاصب، وحرمة الاعتراف ببقائه وحقِّه في الأمن، وهذا المفهوم يؤكد على رفض أي طرحٍ سياسيٍ أو أية مبادرة سياسية أو أمنية تعطي لإسرائيل حق الوجود، ويؤكد أيضاً حرمة أي نوعٍ من أنواع الإعانة أو التعامل أو التطبيع ولو بكلمة مقروءة أو مسموعة، وعلى هذا الأساس نفهم مواقف الإمام من اتفاقية «كامب- ديفيد»، ومشروع فهد، ومشروع ريغان، وسائر المشاريع السياسية والأمنية التي تستهدف الحفاظ على كيان إسرائيل، ولو على جزءٍ بسيط من أرض فلسطين أو الأراضي العربية المحتلة، وقد دعا الإمام الدول العربية والإسلامية إلى المقاومة بالأساليب المختلفة، وفي حرب عام 1973 دعا أيضاً إلى عدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة التي قضت بوقف إطلاق النار ضد العدو الإسرائيلي، وقال : «أنا أنصح الحكومات أن يطردوا إسرائيل الغاصبة من الدول الإسلامية، ومن الأراضي المغتصبة، وأن يدعوا العنصرية ولسان العجز الذي يدينه الإسلام ويرده» .
خامساً : اعتبار قضية القدس قضية إسلامية، وقضية كل المسلمين، لا بد أن تكون المواجهة ضد العدو على مستوى الأمة، ليأخذ الصراع طابعه وشكله الإسلاميين، فلا تبقى قضية القدس قضية الشعب الفلسطيني ومشكلته وحده، ولا قضية العرب ومشكلتهم وحدهم، بل تتحول لتصبح قضية مليار مسلم، يقول الإمام
(قدس سره): «يجب علينا وبكل جديةٍ أن نطرد إسرائيل، ويجب على المسلمين أن ينهضوا بأنفسهم للقضاء عليها».
سادساً: الرهان الكبير على هذه الإرادة الشعبية، والثقة بالأمة، وبقدرتها على النهوض والتغيير، وقيام شعوب المنطقة وتحالفهم في مواجهة إسرائيل، لأن هذا القيام وهذا التحالف له الدور الأساسي في عملية إزالة إسرائيل، ولو تعاونت حكومات تلك الدول مع شعوبها لزالت إسرائيل حتماً برأي الإمام، يقول(قدس سره): «يجب على الدول الإسلامية أن تتخذ موقف العداء من إسرائيل المحتلة التي في يدها أسر أكثر الدول الإسلامية وأن يدافعوا بكل قوة عن فلسطين ولبنان العزيز» .
سابعا: إقامة حكومات صالحة في بلاد المسلمين، لأن الإمام يعتبر أن مثل هذه الحكومات تقربنا من الهدف أكثر، لأن أكبر المشاكل التي تعانيها الشعوب هي من الحكومات الفاسدة والعميلة، يقول(قدس سره): «هذه الحكومات هي التي أوجدت المشاكل لنا ولجميع المسلمين بسبب علاقاتها مع الدول الكبرى، وبسبب عمالتها للدول الكبرى يسارية ويمينية، وإذا زالت هذه المشكلة من أمام المسلمين فإنهم سوف يصلون إلى أهدافهم وآمالهم وطريق حلَّها بيد الشعوب».
ومع بقاء هذه الحكومات تبقى الأمة مقيدة وغير قادرةً على توظيف طاقاتها من أجل تحقيق هذا الهدف، ولذلك اعتبر الإمام أنه بإسقاط الشاه وتشكيل الحكومة الإسلامية في إيران سقط أكبر حليف لإسرائيل في المنطقة، وهو الذي أضعفها سياسياً واقتصادياً بعد أن كانت تتمتع بنفوذٍ كبير في عهد الشاه، فتحول البلد من بلدٍ حليف لإسرائيل إلى بلدٍ في قمة العداء لها في عهد الثورة والجمهورية .
ثامناً: دعم المجاهدين والمقاومين، حيث يقول الإمام(قدس سره): «لا تغفلوا عن تقديم المساعدات والعون للرجال المضحين الذين يناضلون في طريق تحرير فلسطين».
فلا بد في نظر الإمام من دعم كل الحركات التحررية وكل المجاهدين والمقاومين لإسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وعلى جميع المستويات، ويرى أن هذا القتال ولو مع عدم التكافؤ هو قتال شرعي وواجب، ولأهمية هذا الأمر فقد أذن الإمام أن يُدفع لهؤلاء المجاهدين من الزكاة والخمس وسائر الصدقات، مع العلم أن الزكاة والخمس لا يستطيع أحدٌ أن يتصرف بها إلا بإذن الحاكم الشرعي، ولذلك أعطى الإمام الإذنَ بصرف هذه الحقوق للمجاهدين والمقاومين لإسرائيل، حتى في تلك المرحلة قبل الثورة الإسلامية مع غض النظر عن هوية هؤلاء وانتماءاتهم المذهبية والطائفية، فالمهم أن تصرف تحت هذا العنوان، ولذا أجاز إعطاءها للمنظمات الفلسطينية والفصائل المقاتلة آنذاك .
وقد أوصى الإمام بدعم الانتفاضة ومساندتها وتقديم العون لها حيث يقول: «ينبغي أن نضم صوتنا إلى صوت الشعب المظلوم المنتفض داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن نقدم الدعم العملي لتظاهراته وانتفاضته في مقابل ظلم إسرائيل، ليتغلب على هذا الغول المفترس والغاصب، والأملُ أن يستمر المظلومون في المناطق المحتلة بتظاهراتهم ونهوضهم وقيامهم ضد الصهاينة حتى يحققوا النصر» .
واعتبر الإمام(قدس) أن ديمومة انتفاضة الشعب الفلسطيني وبقاءها و استمرارها أساس زوال إسرائيل، وكبح المطامع الصهيونية، وأي تراجع على هذا الصعيد أو العودة إلى التسويات المذلة ستكون نتيجتها التقهقر والعودة إلى ما كانت عليه القضية الفلسطينية والفلسطينيون من ذلٍ وهوان.
يقول الإمام(قدس) في أيام الانتفاضة الأولى: « لقد اتحدوا جميعاً من أجل منع الشعب الفلسطيني من مواصلة السير على نفس الطريق الذي سلكه الآن «في إشارة إلى الانتفاضة» وذلك عن طريق التظاهر بالحرص على فلسطين، والتأسف على ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، ولكن ليعلم الشعب الفلسطيني بأنه إذا ما تراجع خطوة واحدة عما هو عليه الآن فإنه سوف يعود ثانية إلى حالته الأولى، إن الشعب الفلسطيني يوشك أن يسحق الصهاينة، وأتمنى أن يتم ذلك.(وكأن الإمام يتحدث الآن وفي هذه المرحلة) وإذا تمسكوا بهذا المفهوم الإسلامي فعليهم عدم الإصغاء إلى الذين يتظاهرون بطلب الخير لهم أي أولئك الذين يتقنون المخادعة».
خاتمة:
من هنا وعلى نهج وخط الإمام الخميني(قدس سره)، فإننا نؤكد على ضرورة مواصلة الانتفاضة الفلسطينية والردِّ على مجازر العدو وإرهابه في القرى والمدن الفلسطينية، نعم بتنفيذ العمليات الإستشهادية ضد المحتلين الصهاينة، هذه العمليات التي يجب تثبيتها وتجذيرها في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يؤدي إلى فشل كل محاولات شارون المدعومة بضغوط متنوعة دولية وغير دولية لإخراجها من هذه المعادلة، لقد حملت العمليات الإستشهادية الأخيرة تأكيداً إضافياً على قوة وعزم المقاومة في مواجهة العدو وضربه، بالرغم من كل إجراءاته الأمنية وتهديداته، وشكَّلت أيضاً تأكيداً إضافياً على عجز كل الإجراءات الأمنية الصهيونية من السور الواقي، إلى الباب الدوار، إلى غير ذلك، بل وبالتالي عبَّرت وأكدت فشل الخيار العسكري الذي يعتمده شارون في جلب الأمن للصهاينة، وفشل هؤلاء الصهاينة في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ـــــــــــــــــــــ
(*) مسؤول وحدة العلاقات الخارجية في حزب الله ـ لبنان.
تعليقات الزوار