الموساد إخفاقات وفضائح

2008-09-23 

 

هزيمة إسرائيل في لبنان لم تكن هزيمة عسكرية فقط، وإنما سياسية استغرق اعداد مخططاتها سنوات، وأمنية أفشلت فيها المقاومة الإسلامية وفككت معظم الشبكات العميلة، وقضت بذلك على الأحلام والأطماع الإسرائيلية في لبنان.

 

هالات أسطورية حول عملاء الموساد

هذا وإن العمليات الأمنية لم تكن تقل قيمة عن العمليات الميدانية العسكرية بل إن بعضها كان يفوق تلك من ناحية المقدرة على تعرية جهاز الموساد وإظهاره على علانيته، وأنه مجرد مسلسل هوليودي على غرار أفلام «رامبو» التي تعرض لتسلية المشاهدين.

من الملاحظ أن عمليات الموساد الفاشلة تخضع لتعتيم إعلامي واسع النطاق يُضيّق التفاصيل حولها إلى أدنى مستوى وبعضها لا يظهر على السطح بعكس ما يكون منها وافياً بحاجات إسرائيل الدعائية.

لقد بُنيت حول عميلي الموساد «إيلي كوهين» و«لوتس» وغيرهما أفلام ومغامرات سوقت بنجاح بسبب السيطرة اليهودية على الإعلام العالمي، مع أن هناك عشرات الآلاف من العملاء لشتى الدول لديهم منجزات كل في مجاله أكثر قيمة وفعالية من كوهين ولوتس، لكن الضرورات الأمنية حتمت إبقاءهم في الظلّ. لقد بنت الموساد حول عملائها هالات أسطورية مبالغاً فيها بهدف تعميق اليأس العربي من جهة وصرف النظر عن إخفاقاتها من جهة ثانية، ولو قارنا ما فعله كوهين ولوتس وسارة أرنسون بما قام به المصري كيفورك يعقوبيان وسورج والروسي أرنست ويللوبر لعلمنا أن ثلاثي الموساد عملاء عاديون في مضمارهم، لقد تعرض ويللوبر لمطاردة خمسة أجهزة أمنية لدول تريد رأسه وبينها المخابرات المركزية الأميركية على مدى خمسة عشر عاماً دون جدوى واستطاع اختراق هذه الأجهزة مرات ومرات لا تحصى، وأما رودولف روسلر أو «لوسي»(1) كما كان يعرف فلم يبلغ أحد بعده ما بلغه من ذكاء وقدرة.

 

نماذج لفشل الموساد المتكرر

كانت الموساد تعاني من فضائح متتالية بدءاً من الخمسينيات وحتى الستينيات اكتشفت خلالها عشر شبكات يهودية تعمل لصالح المخابرات العربية، كما أن فضيحة «إسرائيل بير» هددت بنيتها بالكامل، وعليه كان لا بد لها من خلق هالة أسطورية حول عملها لصرف الأنظار عن فشلها المتكرر.

كان «إسرائيل بير» أو «بيبر» أو «ببكة» كما اعتاد الشعب العبري تسميته تحبباً، مثالاً للشخصية اليهودية الكاملة، التحق منذ الثلاثينات بالهاغاناه(2)، وقاد فصيلاً قتالياً ضد العرب لسنوات عدة(3)، ثم ترقى ليصبح كولونيلاً في الجيش الجديد، إختير عام 1948 عند قيام الدولة رئيساً لقسم العمليات والتخطيط في قيادة الجيش، وأصبح عضواً في رئاسة الأركان(4)، وكانت لديه صلاحيات واسعة للإطلاع على المخططات السرية ووثائق الدفاع، كما خصص له مكتب في قلب وزارة الدفاع، وكانت له علاقة عمل مع حلف «الناتو»، ثم عمل لمدة عشر سنوات مستشاراً عسكرياً لرئيس الوزراء بن غوريون(5)، وأستاذاً محاضراً في الجامعة العبرية، وكلِّف رسمياً بوضع التاريخ الرسمي للدولة العبرية، وكان بمثابة أمين سر لبن غوريون لا يثق إلا به، كما كان له عمود خاص في صحيفة هآرتس، ثم بعد ثلاثين عاماً تبين أنه عميل روسي مزروع يعمل لصالح ال ك.جي.ب وجهاز أمني عربي وكان نقله لمخططات دفاعات الحلف الأطلسي للروس واحدة من عملياته الكثيرة والتي من بينها نقله لمفكرة بن غوريون السرية الخاصة، وخطط عمليات حرب السويس ضد مصر، وخطة «سيفر» الفرنسية الإسرائيلية، وخطط الأسلحة الألمانية السرية لإسرائيل وعشرات غيرها، وأبقيت مسألة اعتقاله سراً لمدة أسابيع(6)، مخافة حصول إضطرابات داخل كيان العدو.

لم يكن «ببكة» خطأ الموساد الوحيد، كانت هناك عشرات الأخطاء التي أخفاها ضجيج «كوهين» والتي غرق فيها للأسف إعلامنا العربي بكل غباء، من فضيحة «لافون» في مصر، التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي موشيه شاريت إلى كارثة بغداد وقضية كروس، التي جعلت جهاز الموساد يفصل نصف مدرائه، كان كروس من ألمع ضباط جهاز الموساد على مدى سنوات وتبين بعدها أنه عميل للمخابرات المصرية زرعته في قلب جهاز مخابرات العدو. وقضية المهدي بن بركة، وقتل أحمد بوشيكي. لقد تولى مايك هراري رئيس العمليات في جهاز المخابرات الإسرائيلية الإشراف المباشر على قتل عامل المقهى المغربي أحمد بوشيكي على أساس أنه علي حسن سلامة (المسؤول الأمني الكبير لمنظمة التحرير الفلسطينية) فأين عظمة جهاز الموساد إذاً والذي لا تستطيع قيادته التفريق بين مجرد عامل في مقهى وبين علي حسن سلامة (أبو حسن)؟ لقد تمكن ضابط الموساد «يهوذا غيل» من خداع قيادته على مدى عشرين عاماً مدعياً أنه زرع عميلاً رفيع المستوى في سوريا، وكان يهوذا يرسل تقارير وهمية لقيادة الموساد من عميله المزعوم ويتقاضى عنها ملايين الدولارات وكاد يورط إسرائيل في حرب مع سوريا عندما نقل إنذاراً إلى قيادته عن هجوم سوري وشيك عليها(7). ولا ننسى الفشل في توقع حرب 1973 والفشل في لبنان مما يدل على أن «هاموساد لمودين كيديم ميوهاديم» ليس إلا نمراً من ورق.

 

في الصورة المقابلة

إن ما قام به رأفت الهجان وحبيب قهوجي وداوود سمعان تركي وكيفورك يعقوبيان وشباب المقاومة الإسلامية في لبنان مفخرة لا بد أن يذكرها التاريخ. لقد تمكن الشاب المصري كيفورك يعقوبيان أو إسحاق كوتشك كما عُرف في قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي من تولي قيادة وحدة مدرعات لسنين طويلة كما قام آخرون ولا زالوا بتجنيد شبكات يهودية للعمل داخل الكيان الغاصب ومنهم:

1 ـ إسحاق شلوسكي: ضابط مخابرات في الهاغاناه(8).

2 ـ هاياز إيدنبرغ: أعدمتها منظمة ليحي.

3 ـ فيرا دوكس: أعدمتها منظمة ليحي.

4 ـ الكسندر يولين: سجن بسبب العمالة لجهاز مخابرات عربي.

5 ـ أهارون كوهين: أحد قادة حزب مابام، مؤلف كتابي الشرق العربي والعالم العربي، كبير محاضري الجيش الإسرائيلي، أحد زعماء حركة حشعير، اعتقل بتهمة العمل لصالح المخابرات العربية.

6 ـ إسحاق زليرمان: أحد كبار مهندسي الصناعة الحربية الإسرائيلية، عمل لأكثر من عشر سنوات لصالح جهاز مخابرات عربي.

7 ـ سامي باروخ، أحد كبار المهندسين في دولة العدو، مسؤول حركة إسرائيل الشابة، رشح لمنصب نائب في الكنيست، عمل سنين طويلة لصالح المخابرات المصرية.

8 ـ البروفيسور كورت ستيا، رئيس فرع الفيزياء في معهد الهندسة التطبيقية في حيفا، المدير المساعد والخبير الأول في أبحاث الفضاء الإسرائيلية، أستاذ محاضر في الفيزياء، اعتقل بتهمة العمل لصالح مخابرات عربية.

9 ـ مردخاي لوك، يهودا نتائيل باخر، حاييم عكفا، إفراهام دفيني، والقائمة طويلة، والبعض لا زال في الخدمة، أليس الموساد نمراً من ورق إذاً؟

  ـــــــــــــــــــــ   (1) حرب الاستخبارات، ص‏79، دايفيد كان. (2) الموساد، ص‏95، أوري دان، إيلي لاندو. (3) مدرسة الجواسيس، ص‏195، برنارد هاتون. (4) الموساد، ص‏95، دنيس ايزنبرغ. (5) الحروب السرية، ص‏142، إيان بلاك. (6) المصدر السابق، ص‏142، إيان بلاك. (7) إنحطاط الموساد، ص‏357، غوردن طوماس. (8) حرب الظلال، يشعيا هولفيط. مع أنهم كما مر لا يزيدون عن ثلاثة ملايين‏