الصهيونية في مواقف علماء الشيعة

2008-09-23

 

اتّسمت مواقف جميع علمائنا من الصهيونية العالمية بالمبدئية والتحذير الدائم من أدوارها الخبيثة في فلسطين المحتلة ـ التي تواجه في مثل هذه الأيام أخطر هجمة على القيم والمقدسات الإسلامية والمسيحية على حدٍّ سواء ـ والعالم الإسلامي والعربي بشكل عام. هذا مع العلم أن قيام «إسرائيل» ما كان له أن يكون لو لا خضوع السلطات الحاكمة في العالم الإسلامي والعربي للإستكبار العالمي.

لذا أكّد الإمام محمد الحسين كاشف الغطاء ( ره ) على أنّ مسؤولية الدفاع عن فلسطين ومواجهة الصهاينة المحتلين هي مسؤولية الجميع دون استثناء، ولا تقتصر على المسلمين فحسب، حيث قال : (... إن مسألة الدفاع عن فلسطين ومواجهة الصهيونية لا تخصّ الفلسطينيين أنفسهم، بل إنها واجب على كل إنسان لا على العرب والمسلمين فقط، لأنّه إذا كانت الغلبة ( لا سمح الله ) لليهود على فلسطين، فإنهم لن يتركوا البلاد العربية والإسلامية تعيش بأمان واطمئنان. وسيعملون بكل ما في وسعهم وبالتعاون مع الغرب على محو كلمة الإسلام من صفحة الوجود)(1).

 

وقد كشف الإمام الشهيد محمد باقر الصدر ( ره ) عن موقفه الواعي أزاء المسألة الفلسطينية والدور الصهيوني لاختراق العالم الإسلامي والعربي من خلال حلفاء وأصدقاء النظام الصهيوني الغاصب، عندما قال : ( إن إسرائيل تعبير عن مصالح الصهيونية وأمريكا في السيطرة على العالم الإسلامي بأسره وإن السلطات العربية تشيع هذه الأيام وفي المستقبل مناخ التسوية معها تمهيداً لقبولها أمراً واقعاً من قبل المسلمين والعرب )(2).

 

والجدير بالذكر أنّ موقف الإمام الخميني الراحل ( قده ) الديني والسياسي يمثل موقف المسلمين في أنحاء العالم.

وقد جاء في ندائه للمسلمين بمناسبة يوم القدس العالمي:(.. انهضوا وكونوا سادة أنفسكم... إلى متى تسمحون لواشنطن لتقرر مصائركم ؟ إلى متى تخضع القدس وفلسطين والمسلمون المظلومون لسلطة الجفاة المجرمين، وأنتم تتفرجون بلا مبالاة، ويقوم بعض حكّامكم الخونة بإعانتهم على جرائمهم ؟ )(3).

أمّا سماحة القائد السيد علي الخامنئي ولي أمر المسلمين، فقد أكّد على مواصلة ذات المسيرة التي اختطها الإمام الراحل ( قده ) في التصدي لخطط الاستكبار والصهيونية بقوله : ( لا ينبغي أن يتوهم قادة الدول الإسلامية أن الكيان الصهيوني ومن ورائه أمريكا والغرب سيتخلّون عن أهدافهم العدوانية. وإذا كانوا أبدوا مرونة في المواقف، فلأجل أن تنقادوا لهم، وإذا انقدتم لهم، فسيبدون مرونة أخرى حتى تلقوا حرابكم من أيديكم وتتنازلون عن كل مبادئكم ـ لقد أكدت الجمهورية الإسلامية موقفها الثابت على لسان الإمام الراحل ( قده ) حيث كان يؤكد باستمرار على أن الحق لا يبلى بمرور الزمان ولا ينقلب باطلا، كما أن الظلم لا يكتسب الشرعية بمرور الوقت )(4).

لقد كشفت الصهيونية عن حقيقتها العدوانية والعنصرية، ذلك أن الهدف الذي تسعى لتحقيقه هو إبادة المسلمين إبادة كاملة والسيطرة على أراضيهم.

العنصرية والتعصّب:

كما أنّ المرتكز الأساسي الذي تقوم عليه سياسة الكيان الغاصب هو العنصرية والتعصب لليهودية واعتبار الأديان والطوائف والقوميات الأخرى، دون المستوى الإنساني ويجب أن تسخّر لتحقيق المصالح والأهداف الصهيونية.

إلاّ أنّ الأمة الإسلامية تبقى هي الأقدر على حماية أماكن العبادة المقدسة، لأن المسلمين يصدّقون الرسالات السماوية السابقة ويؤمنون بالأنبياء السابقين، ويحرّمون الإكراه في الدين، والتاريخ خير شاهد على أن حرية العبادة لم تتحقق، وحرمة دور العبادة لم تُصن إلا في ظل العهد الإسلامي. لذا فان الطريق إليه ينبغي أن يكون آمناً، وهذا لا يتحقق إلا أن تكون فلسطين محررة وتحت راية الإسلام.

فالمسلمون هم الذين يصونون الأمانة ويؤدون الرسالة، وأصبح حقيقياً أن ينتزع الملك والنبوة من هذا الشعب الذي حُمّل التوراة ثم لم يحملها، بل بدّلها وغيّرها وافترى غيرها من «التلمود» « والبروتوكولات » والوصايا الموضوعة التي تعبر عن أهوائه وأهدافه الملتوية.

والجدير بالإشارة إن الارتباط الروحي بفلسطين والقدس هو الذي جعل السلطان العثماني يرفض عروض « هرتزل » بالسماح لليهود باستيطان فلسطين مقابل حل مشاكل تركيا المالية ورشوة السلطان بالملايين من القطع الذهبية، كما أن الارتباط الروحي نفسه هو الذي يغذّي انتفاضة الحجارة بالقوة والعزيمة والتصميم الشجاع، لقد دافع المسلمون عن فلسطين ضد كل غزو وعدوان، ولم يتخلوا عنها حتى في أضعف العهود وأحلك الأوقات.

ولقد استقر في وجدان كل مسلم أن المسلمين جميعاً مستخلفون على فلسطين بشكل عام، ولا يملكون حق التنازل عن أي شبر منها. ولهذا فالحديث عن التسوية السليمة، أو أي استجابة لما يسمى « بمشاريع السلام في الشرق الأوسط » يعني تقديم خدمة للإستكبار العالمي والصهيونية العالمية.

إن ارتباط أرض فلسطين بالعقيدة الإسلامية والعبادة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، فضلاً عن الحق التاريخي هو الذي يدفع المسلمين ولا يزال للتصدّي بكل قوة وبسالة للعدوان الغاصب.

الجهاد خيار الأمّة وعلمائها

لقد أصبح الشارع الفلسطيني ـ في مثل هذه الأيام وبكل مذاهبه ـ مهيئاً أكثر من ذي قبل لخيار الجهاد الذي أكّد عليه علماء المسلمين لإدامة الانتفاضة المسلحة ضد الغزاة الصهاينة، بسبب الجرائم الأخيرة التي أقدم عليها أقطاب الكيان الصهيوني، الملطّخة أيديهم بدماء أبناء الشعب الفلسطيني.

علماً بان مثل هذه الجرائم تشكل حرباً على مقدسات المسلمين والنصارى، كما تمهد الطريق أمام جمعيات يهودية متزمتة، بدأت أخيراً حملة تسويق واسعة لبيع شقق سكنية في « المدينة الدينية اليهودية الجديدة » المخطط لقيامها إلى الجنوب من مدينة ( رام الله ) علماً بأن عدد سكان المدينة التي أُطلق عليها اسم « تل صهيون » سيصل إلى نحو ( 30 ) ألف مستوطن من قطاع المتدينين المتشدّدين اليهود ! (5)كما أقامت سلطات الاحتلال أكثر من( 800) وحدة استيطانية على أراضي محافظة « بيت لحم» فيما أعلنت سلطات الاحتلال عن خطط لإقامة ألفي وحدة استيطانية جديدة وعزمها على مصادرة(250 ) دونماً من أراضي بيت لحم لشق طريق التفافي بطول سبعة كيلومترات ونصف وبعرض( 300)م(6). فالهدف الذي تتوّخاه سلطات الاحتلال ومن ورائها الصهيونية هو ترسيخ الوجود اليهودي في فلسطين المحتلة ونسف جهود ما يسمى بمشروع السلام » هذا مع العلم بأن مدينتي : ( رام الله ) و ( بيت لحم ) قد شهدتا مؤخرا أبشع ألوان الجرائم الصهيونية الوحشية والإرهابية، التي لم تستثنِ حتى الأطفال.

كما تتبع سلطات الاحتلال نفس الأسلوب في أفراغ مدينة القدس من سكانها المسلمين، وتضع القوانين الاعتباطية لتنفيذ تلك السياسية ، بما ينذر بنتائج خطيرة على صعيد الوجود الديمغرافي الفلسطيني في المدينة المقدسة(7).

فالكيان الصهيوني يمارس مختلف وأبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ويعمل بشكل متواصل وحثيث لتهويد مدينة القدس وباقي المدن المحتلة. في الوقت الذي لم يصدر فيه أي تنديد من قبل ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان، والولايات المتحدة الأمريكية المتشدّقة بشعار السلام والديمقراطية، بل على العكس راح الإعلام الغربي يصادر الحقائق ويقلب الموازين لصالح الكيان الغاصب. وهذا بحدّ ذاته مؤشر خطير يضع المسلمين والنصارى وباقي القوميات المضطهدة أمام مسؤولياتهم في مواجهة الكيان الصهيوني وعدم المراهنة على الولايات المتحدة الأمريكية في إنقاذ الشعوب.

ـــــــــــــــ

(1) الإمام الكاشف الغطاء (ره): قضية فلسطين الكبرى: ص14-15.

(2) راجع كتابنا: المسلمون والصهيونية: ص312.

(3) مقتطفات من نداءات الإمام الراحل ص36.

(4) مجلة التوحيد، العدد 69، ص179.

(5) صحفية صوت المدينة العبرية الأسبوعية.

(6) تقرير اللجان الشعبية لمواجهة الاستيطان في (بيت لحم).

(7) تقرير المركز الفلسطيني لحقوق المواطنين واللاجئين.