وئام أحمد(*)

عندما نتكلّم عن الأفلام البيبلوغرافيّة فهذا يعني أنَّ الفيلم يتحدَّث عن حياة أحد المشاهير والعظماء، ويتناول الحقبة التي عاشوا فيها، مستعرضين كافة الإنجازات التي سطّروها في خدمة البشريّة. ولكن، عندما نتحدَّث عن فيلم "چـ" لإبراهيم حاتمي كيا، فهذا يعني أنّنا لسنا فقط نتحدَّث عن الحرب العراقيّة الإيرانيّة، التي دامت سبع سنوات، بل عن حياة شخص استثنائيّ بكلّ ما للكلمة من معنى.

 

شمران: جامع الأضداد

شمران هو المسلم الإيرانيّ، المدافع عن الإسلام والعاشق للإمام الخمينيّ قدس سره.

شمران هو الرجل الجامع للأضداد، رجل ذو أبعاد كثيرة، رجل الأربعة فصول.

شمران لم يكن جنرالاً، لم يكن رئيساً، ولذلك فإنَّ مقام شهادته لم يكن له مثيل.

كثيرون اعتقدوا بأنَّ هناك علاقة بين تسمية فيلم "چـ" شمران وفيلم "che" حول تشي جيفارا، ولكن عندما سُئل "إبراهيم حاتمي كيا" حول هذا الأمر، أجاب بأنّ القصد كان "چـ" يعني شمران (بالفارسية چمران)، وربما جاءت المصادفة في هذا الأمر، فـ"تشي جيفارا" أيضاً كان رجلاً مقاوماً، ولكنّ شمران كان رجلاً مختلفاً بكافة المقاييس.

 

* خلاصة الفيلم

يروي الفيلم 48 ساعة من حياة الشهيد مصطفى شمران، مرسلاً من قبل الدولة المؤقّتة، إلى مدينة "باوه"، عندما حاصرها المسلّحون من قوات الضلال المعارضة "للثورة الإسلاميّة"، من أجل حلّ الخلافات الداخليّة وحماية المنطقة.

يُعتبر الفيلم من أحدث أعمال المخرج "إبراهيم حاتمي كيا"(1). وقد شارك في تمثيله مجموعة من الفنانين المعروفين، أبرزهم "سعيد راد"، "مريلا زارعي"، "بابك حميديان"، "إسماعيل سلطاني"، "أمير رضا دلاوري"، مضافاً إلى الممثل الشهير "فريبرز عرب نيا" الذي جسَّد دور الشهيد "شمران".

 

صنع موسيقى الفيلم: فردين خلعتبري.

 

تصميم الملابس والمشاهد: عباس بلوندى بود

لقد قُدِّم فيلم "چـ" في 520 مشهداً. وبالمقارنة مع باقي الأفلام السينمائيّة الحربيّة (دفاع مقدَّس)، من ناحية المشهديّات الخاصّة والمؤثّرات البصريّة الحربيّة، فقد كان أبرزها.

استغرق تصوير الفيلم خمسة أشهر. أمّا تسجيل الصوت فستة أشهر، وأربعة أشهر لعمليّات المونتاج.

أمّا حول تقديم تيتراج (الإعلان الموسيقي للترويج للفيلم) الفيلم فيقول "حاتمي كيا": "إنّ الفنان "محسن جاووشي"(2)، عندما شاهد الفيلم في نسخته الأوليّة، تعلّق به، وأحبَّه حتّى قرر في النهاية أن يقدِّم عملاً مستقلّاً عنه ليس من أجل التيتراج فقط".

 

* حول الفيلم

عندما جلس المخرج "إبراهيم حاتمي كيا" في محضر السيّد القائد "عليّ الحسينيّ الخامنئيّ" دام ظله معرّفاً وشارحاً حول فيلم "چـ" وظروف إنتاجه، وبعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم، تبسّم السيّد القائد وقال: "هذا هو شمران الذي عرفته يوماً".

كأيّ فيلم ذي موضوع مهمّ وحسّاس، عندما يُعرض ويشاهده الكثيرون سوف تختلف الآراء حوله، ليس على موضوع الفيلم، ربما، بل على طريقة تقديمه من ناحية فنيّة وسينمائيّة.

وقد كان للفيلم وقفة كبيرة مع النقّاد الإيرانيّين، نظراً إلى ما تمثّله شخصيّة "شمران" من أهميّة وطنيّة وجهاديّة وعلميّة، أضف إلى ذلك الاعتبار أنّ هذا العمل السينمائيّ لا بدّ وأن يكون وفيّاً لهذه الشخصيّة ويقدّمها بطريقة لائقة في عيون محبّيها.

 

* في عين الناقد

يقول الناقد السينمائيّ الإيرانيّ المخضرم "مسعود فراستي" في حديثه حول فيلم "شمران":

"لقد كان الفيلم منذ بدايته حتّى وصول شمران إلى مدينة "باوه" جيداً، فقدّم شخصيّة مخضرمة، وراسخة في فضاء ملتهب. ولكن، شيئاً فشيئاً بدأ الفيلم يخرج عن السياق الأصليّ، مع أنّ الظروف التي حضرت لتصوير الفيلم كانت جيّدة، ولكن كلّما أوغلنا في العمق مع الشخصيّة الأصليّة كانت تضعف شيئاً فشيئاً..فـ "چـ" "إبراهيم حاتمي كيا" لم يكن لا بطلاً قوميّاً ولا دبلوماسيّاً موفّقاً، فشمران كان من كبار المفكّرين الاستراتيجيّين والقادة العظام للحرب...".

أمّا ابن الشهيد "كشورى" فيقول عن فيلم "چـ.. چمران": "لماذا سُمِّي الفيلم بـ "چـ"؟ لماذا لا نفتخر ونقول شمران؟ فالكلّ يعرف أن هناك فيلماً غربيّاً اسمه "che" وهو يتناول سيرة حياة تشي جيفارا، فلماذا نأخذ أذهان الناس دائماً إلى هذا الفيلم الغربيّ؟".

 

* رأي الصحافة في الفيلم

وحول حديث الصحافة متناولة فيلم شمران كتب "عليّ فارسيّ":

يُعتبر فيلم "شمران" من أهمّ الأفلام التي أُنتجت مؤخّراً في السينما الإيرانيّة من عدَّة نواحٍ: الموضوع، المضمون، تقديم القصّة، زمان الفيلم، الحرب، المؤثّرات البصريّة... ومن خلال الفيلم فقد تعرَّفنا إلى ثلاث نقاط مهمّة:

- شخصيّة شمران.

- وضعيّة مدينة "باوه" خلال حرب المدن.

- وصال شمران.

وقد أضاف أنّ "الفيلم فيه الكثير من نقاط القوّة والضعف". وسأل: "هل فيلم "چـ" يجسّد شمران الواقعيّ؟ لا بالتأكيد، بل هو يجسّد شمران كما رآه "إبراهيم حاتمي كيا"، وبالتالي لا يجب علينا أن ننتظر رؤية شمران الحقيقيّ، فتكرار العين بالعين غير ممكن، شمران كان رجلاً غريباً، كبيراً ودكتوراً ذا مقام رفيع، عرفانيّاً لا نظير له".

 

* الفيلم قرَّب المسافات فقط

لو أردنا أن ندخل في آراء النقّاد الذين تحدَّثوا عن فيلم "شمران" فلن يتّسع المقام لنا في هذه الأسطر المحدودة، ولكن مِنَ الجميل عندما نشاهد فيلماً أن ننظر إليه بعين الناقد وليس فقط المشاهد، فلا نكتفي فقط بأن نقول جميل ومؤثّر، بل علينا أن نذهب أبعد من ذلك.

دائماً، هناك رأي موافق ورأي مخالف، ولكلّ أدلّته وحججه. ولكنَّ الأهمّ من هذا كلّه أن نعرف أنَّ هذه الأفلام التي تتحدَّث عمّا نحن نعتقد به ونحبّه ونجلّه مثل شخصيّة الشهيد الكبير والعرفانيّ العالِم "مصطفى شمران"، لن تقدر يوماً على أن تعرّفنا إليه كما عرفناه من خلال سيرته. قد تستطيع أن تقرّب لنا المسافات، ولكنّنا لن ندرك مثل هذه الشخصيّات، لأنّ عرفان "شمران" لم يكن له مثيل، وكانت له نكهته الخاصّة، كما كان لعرفان الشهيد "البروجردي"، والشهيد "همّت" لغته الخاصّة مع الباري عزَّ وجلّ.

 

* مناجاة للشهيد شمران

نختتم حديثنا ببضعة أسطر من مناجاة للشهيد مصطفى شمران: "ما أجمل مناجاة ذلك الدرويش المحترق قلباً في منتصف الليل.. وما أجمل غسل اليد من الروح وتطليق الدنيا ثلاثاً..".

"... قلبي المغموم يتمنَّى الحريّة، وروحي الذابلة تطلب العروج والتحليق لتترك هذه الغربة السوداء..

يا إلهي أشكرك لأنّك فتحت لي طريق الشهادة لأتحرّر من هذه الدنيا نحو السماء.. لأنّك أعطيتني أسعد لحظات الأمل في حياتي.. وعلى أمل الخلاص يسَّرت لي تحمّل كلّ الآلام والعذاب والتعذيب..".

(*) باحث في مجال السينما.

1- يُعتبر "إبراهيم حاتمي كيا" من المخرجين الإيرانيين الذين زخر تاريخهم بالأفلام الناجحة التي تناولت موضوع الدفاع المقدَّس. وقد كان رفيق درب سيّد شهداء أهل القلم الشهيد "مرتضى آويني" وتلميذه. جُمعت أفلامه في مجموعة سُمِّيت "بلاك" وهي تتضمَّن أهم أفلامه الطويلة والقصيرة.

2- موسيقار معروف.

المصدر: مجلة بقية الله