من الثابت أن تحرير القدس الشريف هو أمر واقع لا محالة وحتمية مؤكدة أوردها القرآن الكريم في سورة الإسراء والتي يعرفها القاصي والداني ومنهم الصهاينة المجرمون المحتلون لفلسطين بما فيها المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهو ما يشعرهم بالنكبة والانهيار والتطيُّر على الدوام كلما سمعوا المتمسكين بالقرآن المجيد وهم يردّدون ـ وبأعلى أصواتهم ـ  قوله تعالى  {فإذا جاءَ وعدُ الآخرة لِيَسُوءوا وُجوهَكُم ولِيَدخُلوا المَسجدَ كما دَخلُوهُ أوّلَ مَرّة وَلِيُتَـبِّرُوا ما عَلَوا تَتْبِيرا} الإسراء ـ الآية 7.

وانطلاقا من هذه الرمزية الدينية والإيمانية الإلهية جاء إعلان مؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل الإمام الخميني (طاب ثراه) الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك بكل عام يوما عالميا للقدس، على أمل أن يكون هناك انشداد لصيق للمسلمين والمستضعفين والأحرار إلى هذه البقعة المباركة من الذاكرة الإسلامية النابضة بالحياة رغم جميع القيود والحصارات والمشاريع والتحركات الإجرامية المشبوهة.

فهو ـ إذن ـ  إنشداد مصيري يتطلبُ أنْ تبذل لتفعيله الأرواح والأحبة والغالي والنفيس بلا شك، فالمسألة لن تنحصر إلى الأبد بإطلاق التظاهرات والمسيرات هنا وهناك فحسب. مع أن آلية يوم القدس العالمي كما أعلنه سيدنا الراحل (قدس سره الشريف) هي في حد نفسها انطلقت في البداية على هذا الأساس، لكنها متطورة على هذا المنوال إلى أن تتهيأ الظروف الملائمة لعملية التحرير المرتقبة غن شاء الله تعالى.

ويبدو واضحا أننا بدأنا نتلمس شيئا فشيئاً، أن بشائر الأمل أخذت تتبلور  مع اندحار "داعش" والمد التكفيري الوهابي المدعوم بالصهيونية العالمية، في أكثر من جبهة.

الجدير بالاهتمام في هذا الشأن هو أن الباري عز وجل وضع هذا المكان جنبا إلى جنب مع معجزة الإسراء والمعراج التي أكرم بها الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أحلك مراحل الدعوة الإسلامية في مهبط الوحى مكة المكرمة. فقد تصوّر المشركون وحماتهم الدوليون في القوتين العظميين آنذاك بأن رسول الله والرعيل الأول من المسلمين باتوا قاب قوسين أو ادنى من التفكك والهزيمة، في أعقاب رحيل الناصرين الأساسيين للرسالة المحمدية الى الملأ الأعلى، أي سيدنا أبو طالب عم النبي وسيدتنا ام المؤمنين خديجة الكبرى (رضوان الله وسلامه عليهما)، وذلك قبل عام واحد فقط من الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة. وهذا في حدود تصوري المتواضع يحمل الكثير من المعاني والإشارات الدالة على وجود حركة تواصل عضوية بين تعاظم المعاناة الثقيلة من جهة والاقتراب من لحظة الفرَج أو ما يسمى بالمفهوم المعاصر بساعة الصفر من جهة أخرى. 

بعيدا عن أية مبالغة فإنه يصدق إسقاط تلك الحقبة الإيمانية العصيبة على راهننا المعاش دون ادنى شك ، بما فيه من تكالب استكباري غربي صهيوني تكفيري مسعور يرمي إلى القضاء على الحصن الإسلامي الرسالي المقاوم من خلال ما يشهده العالم الآن على الهواء مباشرة  من حروب طاحنة وفتن طائفية سعودية مفتعلة.

  فالمطلوب وبكل إصرار في ضوء ما يجري، هو أن تكون الأمة الإسلامية بمستوى الاستعداد لتلبية نفير ساعة الصفر التي تختزنه مراسم إحياء يوم القدس العالمي النهضوية التحررية ودعوة مُفجر الثورة الإسلامية العالمية المعاصر الراحل الإمام الخميني (رحمه الله تعالى)، إذ من أجل هذا أعلن سماحته هذه المناسبة في شهر رمضان المبارك بسبب أن هذا الشهر بما فيه ليلة القدر التي يفرق فيها كل أمر عظيم، ينطوي على تجليات خارقة قادرة على التغيير والحسم والانتصار، كما  تحقق ذلك للنبي الأعظم والمسلمين الأوائل في مراحل تاريخية مفصلية أبرزها نزول القرآن الكريم ومعركة بدر الكبرى وفتح مكة وكلها أحداث مصيرية وقعت في هذا الشهر الفضيل.

بقلم: حميد حلمي زادة